للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى ذكر الشيخ الأنبابي روى لنا الصديق موقفا من مواقفه التي يعتز بها الخلق ويكرم فيها الدين؛ وخلاصته أن اللورد كورمر رغب في أن يزور شيخ الأزهر، وكان الشيخ الأنبابي قد جعل إدارة الأزهر في داره بحي الظاهر، فلما كلموه في أمر تلك الزيارة أنكر أن يكون للورد معه شأن، ولما قبل أن يزوره وسئل كيف يستقبله أبى أن يلقاه على باب الدار، وصمم أن يسلم عليه وهو قاعد. فقالوا له إنه كبير الإنجليز وقد يجد في هذا اللقاء إهانة له ولقومه، وخير من ذلك أن نجلسه في غرفة ثم يدخل الشيخ عليه فيقف هو وينتهي الأمر. فقال: هذه حيلة وأنا اكره الالتواء والتحليل، وسألقاه على الوجه الذي أختاره فدعوني وإياه.

وأقبل اللورد كورمر في جبروته وسلطانه فاستقبلوه استقبال الملوك؛ ودخل على الشيخ في البهو وفي يديه قبعته فلم يهتز الشيخ ولم يقف. إنما رد التحية وصافح اللورد وهو قاعد، ثم قال لكبير من كبار المصريين كان حاضر الزيارة: قل للورد إني أحترمه، ولكني سلمت عليه قاعداً لأن ديني ينهاني أن أقوم له. فانحنى اللورد وأثنى وشكره، ثم قال بعد ذلك لمن معه: هذا أول شيخ رأيته في مصر يكرم نفسه ويحترم دينه!

الأستاذ منصور جاب الله:

كان الأستاذ منصور جاب الله كالشمعة التي تحترق لتضئ ما حولها. كان أديبا ملء إهابه، وكان فناناً ملء ردنيه، أتخذ الأدب غاية، ولم يلتمسه وسيلة، فتعفف عن التكسب به على وفرة إنتاجه، وعلى أنه لم يكن شيء من الثراء قل أو كثر، وإنما كان غني النفس عفيف القلب طاهر اليد واللسان.

وكان رحمه الله آية الوفاء للصحب والأصدقاء، وإذ يعوزه أن يسد خلة لأحد منهم، أو تتقاصر يده عن معونتهم، يعمد إلى مساعدتهم بأدبه، فيكتب لهم المحاضرات أو المقالات التي تدر عليهم المكاسب، لا يقتضي على ذلك أجراً إلا المثوبة من عند الله. ولقد عرفنا فيما عرفنا عنه أنه كان يساعد بعض إخوانه الذين نالوا درجات جامعية عالية، فيعد لهم المراجع وينسق لهم الفصول والأبواب، ثم يصوغ الرسالة في صيغتها النهائية، ثم يتقدم بها الطالب فينال درجة الدكتوراه أو الماجستير!!

<<  <  ج:
ص:  >  >>