عناصره من مشاهدها، والأدب العربي لا يزال يعوزه ليسهل هضمه تلك الدراسات التي تتناول بيئاته الطبيعية لاتصال تلك الآثار الأدبية ببعض الأماكن، أو القبائل، أو الحيوان، أو النبات أو القصص، مما يعين على استكناه روح البيئة التي ولدت ونشأت تلك الآثار بين أحضانها. فكانت هذه الدراسة الموجزة، الوافية لمهد العرب عاملاً قوياً يتكئ عليه طلاب الأدب العربي عامة، وقديمة خاصة؛ لأنها تجلوا لهم هذا المهد الذي كان له في حياة العالم السياسية، الاجتماعية، والروحية، والأدبية، أعظم الأثر، وبعين الباحث الأدبي على تمثيل هذا الشعر واستمراء روحه، وتعمق مراميه، والوصول ألف أهدافه، مما عجز عن القيام به المعاجم والشروح التي تتعلق بالألفاظ والأساليب، وهذا الكتاب يقوم على وصف الجزيرة العربية الطبيعي؛ وأقسامها وأعلام بلدانها؛ ومحالها؛ ووصل كل هذا بطرف مما يتصل به من الأشعار والأخبار والأساطير في غير توسع ولا تعمق، وذكر فيها أمهات القبائل ومواطنها فتناول بالكلام مهد العرب والجزيرة وأقسامها وما يتصل بكل قسم من بعض الأخبار والشعر، فتناول الحجاز مولد الإسلام ومبعث النور الذي تتجه إليه الأوجه والقلوب كل حين، ويملأ كل قلب أليه حنين
بهذا الروح القوي أستلهم - الدكتور - تلك الأماكن التي توحي بأروع الآيات التي تصور بهاء ذلك الماضي الحافل الذي يلقي في النفس الجلال، ويشيع فيها الخشوع، وهكذا تكلم عن نجد، والأحساء، واليمن، وحضرموت، والربع الخالي، وعدد سكان الجزيرة في القديم والحديث، تناول كل هذا التشتيت المبعثر، ونسقه عقداً جميلاً؛ بهذا الأسلوب الأدبي الجزل؛ فكان خير ما يقدم بين يدي الدراسات الأدبية والتاريخية.