سادة! لقد كدت ليلة أمس - بعد أن طار عني النوم - أن أقوم إلى مكتبي فأحبر قصيدة عامرة في وصف ذلك المهد الذهبي الذي حرك بيرام في قلوبنا الشوق إلى رؤيته، ولكني - تحت تأثير الإعياء - فضلت الانتظار ريثما أراه ليكون الوصف أتم وأشمل.
أما السيد لطفي فقد أعتدل في جلسته وشرع يقول:
- تصوروا أنني قضيت ليلة أمس بين لذيذ الأحلام، ومعسول الأماني، وكان أول شيء فكرت فيه - استغلالا لهذا الكنز - أن أسترد - بأي ثمن كان - قصرنا الذي ألجأتنا الضرورة إلى بيعه - وهنا سالت على خديه عبرة لم يستطع ردها - واستمر يقول: ولم يكد ضوء النهار يشيع في الكون حتى أسرعت إلى هذا المكان وبي شوق كثير لرؤية القصر، ولقد مررت ببابه كثيراً، وناجيته أحرَّ مناجاة، وإنه ليدور بنفسي آنذاك أنه لن يمضي أكثر من يومين ثم نعود إليه، ونسعد مرة أخرى بسكناه، ونمرح في جنباته ونلبسه حللا من الفخامة ليتناسب مع عهده الجديد. . . كم رتبت من حفلات الابتهاج باستعادة مجدنا القديم، واسترداد عزنا الدابر. ثم التفت إلى محمود وقال: ولقد رآني محمود وقتئذ. فقال محمود:
- لعل ذلك حينما كنتُ خارجاً من هنا قاصداً إلى المدرسة قبل أن تقابل بيراما.
- نعم! وإني لم أكن أعلم أن بيراما سيحضر في هذا الوقت، فقد كنا على موعد معه بعد الظهر لنرحل إلى قريته سويا ويرشدنا إلى الكهف. وإنما الذي دفعني إلى الخروج في ذلك الوقت المبكر هو رغبتي في أن أرى قصرنا وأناجيه على ما سمعت، ثم صمت فصاح الجميع:
- أما أن بيراما لإبليس!
وفي هذه اللحظة وصل شفيق، وجعبته ملأى بشتى الأخبار وأخذ في سردها واحداً واحداً ثم ختم حديثه بقوله: فها أنتم أيها السادة - بعد أن سمعتم الكثير من أعمال هذا الرجل - ترون أننا لسنا أول ضحاياه، فقد سبقنا عدد ليس بقليل من سراة أشقوداره وكبار التجار فيها. فقال فريد:
- إنني لو رأيت بيراما بعد هذا فسأعانقه بحرارة وأقبل جبينه، اعترافا بفطنته وسرعة خاطره، وسأقول له: مرحى! مرحى! يا أذكى من أنجبته القرى!