اضطر إلى مغادرة فلورنس على أثر اشتراكه في شجار دموي وقع بين أخيه وبين جماعة من جند الأمير، وقضى من جرائه بنفي الأخوين من فلورنس؛ فسار تشلليني إلى مدينة سيينا، واشتغل هنالك حيناً لدى صائغ آخر؛ ثم سعى والده لدى الكردينال دى مديتشي الذي انتخب لكرسي البابوية باسم كليمنضوس السابع، فسمح للأخوين بالعودة إلى فلورنس؛ واقترح الكردينال على الأب أن يرسل ولده بنفونوتو إلى بولونيا ليتعلم هنالك الموسيقى على أساتذة الفن بتوصية منه، فاغتبط الأب لذلك أيما اغتباط، وقبل الفتى رغم إرادته لأنه كان يكره الموسيقى وينعتها (بالفن الملعون)، ولبث مدى أشهر يتعلم الموسيقى، ويشتغل أيضاً بصناعته المحبوبة أعني الصياغة وصنع القطع الفنية الدقيقة؛ ثم عاد إلى فلورنس يزاول صناعته حتى اشتهر رغم حداثته، وتحدث الناس بمواهبه. وهنا اتصلت أواصر الصداقة بينه وبين فتى يدعى تاسو، وهو فنان حفار؛ فاقترح عليه أن يسافر الاثنان إلى رومه؛ وكانت هذه أمنية تثير خيال فتى ذكي مخاطر مثل بنفونوتو، فقبل الاقتراح؛ وسافر الاثنان إلى رومه، وكان تشللينى يومئذ في التاسعة عشرة من عمره
وفي رومه اشتغل تشلليني لدى أقطاب فنه، وزاد كسبه، وتفتحت أمامه الآمال الكبيرة؛ وكانت رومه في ذلك العصر مدينة الأحبار، ومعقل الفاتيكان، تنثر عليها البابوية من سلطانها وبذخها وبهائها ألوانا رائعة؛ وكان الاتصال بذلك المجتمع القويالباهر أشد ما يثير طلعة ذلك الفتى الطامح؛ وكانت البابوية وأولياؤها من الأحبار الأكابر يومئذ موئل الفن الرفيع، وملاذ الفنانين الموهوبين؛ فاستقر تشلليني في رومه يرقب فرصه، ولبث إلى جانب عمله يشتغل بدراسة النقوش والصور الخالدة التي خلفها ميشيل انجلو ورافائيل، في صروح رومة؛ ولم يمض سوى قليل حتى أتيحت له فرصة الاتصال بحبر كبير هو أسقف شلمنقة أصلح له بعض التحفوسر من مهارته وعهد إليه بصنع إناء بديع مزخرف؛ وعهدت إليه زوج الأمير تشيجى بصنع حلية من الجواهر. وهنا يفض تشلليني في وصف التحف والحلي البديعة التي كان يصنعها إفاضة تدل على ما كان يجيش به من شغف بفنه ومهنته، وهنا أيضا يطلق تشلليني العنان لأهوائه المضطرمة ويصف لنا بمنتهى الصراحة والجرأة مواطن لهوه، ومواطن عبثه وفسقه مهما كانت من الوضاعة، ويقص علينا كيف أصابه الوباء الذي عصف يومئذ برومة، عقب ليلة غرام قضاها مع فتاة خادمة لبغي حسناء