للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جاءت لزيارة صديق له، فاختص الصديق بها، واقتنص هو الخادمة خلسة عنها. وقد قص علينا روسو في اعترافاته كثيراً من مواطن لهوه وفسقه، في أحاديث صريحة واضحة؛ ولكن روسو يسبغ من بيانه على تلك الأحاديث في كثير من الأحيان لوناً من الحشمة، وتكاد تنم عن شعوره بالآثم والندم واحتقار مواطن الضعف الإنسانية. أما تشلليني فانه يقص علينا تلك المناظر الآثمة بكل بساطة، ويصف لنا طبيعته المضطرمة الجامحة دون استحياء، ويكشف لنا عن دخائل نفسه دون تحفظ، وأخص ما يلفت النظر في ما يقصه علينا من تلك الصفات النفسية، انه

كان كثير الإفراط والعنف، شغوفاً بالمخاطرة، تواقا إلى الانتقام، كثير المجون والاستهتار.

ونجا تشلليني من الوباء، بينما احتمل كثيراً من أصحابه، ولكن رومه لم تكد تفيق من عيث الوباء حتى دهمتها مصائب الحرب والحصار، وزحفت الجنود الإمبراطورية - جنود الإمبراطور شارلكان - على رومه بقيادة الكونستابل دى بوربون (سنة ١٥٢٧). وهنا يبدو تشلليني في ذروة الجرأة والمخاطرة، فنراه رئيس سرية من الجند المأجورين يتولى حراسة قصر الساندرو دلبيني، ثم يخف مع سيده إلى الأسوار المحصورة ليرى الجيش المحاصر. وفى ذلك الموطن يقص علينا تشلليني قصه لا ينقضها التاريخ؛ وهي أنه حينما اشرف على الأسوار مع زملائه ليرقب سير المعركة، رأى وسط الدخان رجلاً يرتفع عن الجميع، فصوب رصاصه نحوه، وأطلق مع زملائه في تلك الناحية عدة رصاصات، وحدثت على أثر ذلك في قلب الجيش ضجة كبيرة؛ وشاع بعد ذلك أن الكونستابل دى بوربون قد قتل من رصاصة أطلقت عليه من وراء الأسوار. ويدعي تشلليني أنه هو الذي أصاب الكونستابل برصاصه. وليس في ذلك ما ينقضه التاريخ، ولكن ليس فيه أيضا ما يؤيده. فقد سقط بوربون قتيلا في بدء القتال من رصاص الجند المحصورين؛ ولكن ليس ثمة ما يؤيد أن تشلليني هو صاحب الطلقة القاتلة. وعلى أي حال فأن الحادث دليل على جرأة تشللينيووافر شجاعته. ولم يمنع مقتل بوربون جنوده من اقتحام المدينة، فدخلوها في عدة مواضع دخول الضواري المفترسة، وأضطر البابا كليمنضوس السابع أن يفر مع بطانته إلى حصن سانت انجيلو الذي يتصل بقصر الفاتيكان بأقبية سرية؛ وكان ذلك الحصن الشهير الذي ما يزال إلى اليوم قائما في رومه على ضفة نهر تفيرى، من أمنع وأعجب

<<  <  ج:
ص:  >  >>