فإذا كرهتم الاجتهاد، وأبيتم إلا أن تكونوا مقلدين، فقلدوا في المذهب كله، ودعوا التلفيق!
وأين هذه الأقلام تقول للناس، إن ثكنات قصر النيل في القاهرة، ومطار المزة في دمشق، ومعسكر الحبانية في العراق، حصون العدو وقلاع المستعمر ما في ذلك خلاف، ولكن للاستعمار قلاعاً أخرى، إن تكن أخفى فقد تكون أخطر، وهذه القلاع هي بيوتنا التي أنتشر فيها (التحرر. . .) في الشباب والشابات، و (التجدد. . .) في الصلات بينهما، فقلل الزواج وزهد فيه الشبان، وكسّد البنات، ونشر الأمراض، وشغل بالهزل عن الجد، وبالسعي للشهوة عن العمل للوطن. . . ولقد قلت إنها أخطر، لأن ثكنات قصر النيل قتلت عشرين مصرياُ في عشرين سنة، وهذه تقتل كل سنة مليوناً من أهل مصر، كان يكون منهم العبقري النابغ، والقائد البارع، والأديب الملهم، والعامل النافع، ويكون منهم حماة الحمى، ودرع الوطن، خسرناهم لانصراف الشباب عن الزواج وزهدهم فيه، ولولا هذا التحرر، وهذا التجدد. ولو عادت بنا الأيام كما كنا من خمسين سنة، إذ لا تلقى شاباً في العشرين إلا متزوجاً، ولا فتاة في الثامنة عشر إلا ذات بعل، لزادت مصر مليون إنسان في كل سنة، أفرأيتم كيف قتل استعمار البيوت هذا المليون؟
أين تلك الأقلام تفضح أكبر خدعة سربت إلينا، وتردد أفظع كذبة جازت علينا، وهي دعواهم أن من الخير لنا أن نأخذ المدنية الغربية بكل ما فيها، وأن كل ما جاء من أوربا فهو خير ورشاد، وكل ما بقي لدينا من الشرق فهو شر وفساد!
وهذا من أقبح ما خلفه فينا الاستعمار
فأين تلك الأقلام تدل الناس على مزايانا لنحتفظ بها، وشرور الغرب لنتجنبها، وتقيم لهم الميزان العادل، وتحكم فيهم الحكم السديد، فنرتفع عن أن نكون قردة مقلدين، ونرجع عقلاء مميزين، يعرفون ما يأخذون وما يدعون!
وبعد، فهذي المعركة، وهاهم المسلمون في كل بقاع الأرض يكتبون بدمائهم على جبين الزمان أروع قصائد المجد، وأبلغ آيات البطولة والبذل. هاهم أولاء يردون بأيديهم وبأيمانهم وبحقهم الجيوش التي لم يستطع ردها هتلر بحديده وناره. . . لا يرونها أكبر من أن تغلب، ولا يرون أنفسهم أصغر من أن تغلب. هاهي ذي المعجزات تظهر كل يوم على