تصدر الجالية الفرنسية عشرات الجرائد والمجلات من كل الألوان والنزعات. وليس للمراكشيين الآن ولا جمعية واحدة. وقد حلت إبان حوادث يناير ١٩٤٤ جميع الجمعيات والهيئات التي كان سمح بها من قبل لغايات استعمارية مختلفة. والمراكشيون محظور عليهم بحكم مرسوم ١٩٣٨ أن ينتسبوا لأية نقابة، ومحظور عليهم أن يعقدوا أي اجتماع كيفما كانت صبغته، ومحظور عليهم أن يتظلموا أو يقدموا عرائض تكشف عن رغباتهم، وليس للمراكشيين أية هيئة انتخابية تمثلهم إزاء السلطة بينما ينتخب الفرنسيون في مراكش للمجالس البلدية والغرف الفلاحية (الزراعية) والتجارية والصناعية ولمجلس شورى الحكومة المراكشية والبرلمان الفرنسي مباشرة برغم وضع مراكش الدولي والوطني، والمراكشيون محظور عليهم التعليم الحر بينما أطفالهم الصغار على حد ما جاء في خطاب جلالة الملك يوم ١٨ نوفمبر الأخير متشردون في الطرقات العامة لا يجدون مدارس تكون منهم رجالاً قديرين، ولا تتسع المدارس الحالية لأكثر من ثلاثين ألف طفل فقط.
والمراكشيون يعيشون تحت نظام بوليسي محكم، يسير الإنسان والأرصاد الجواسيس تتبعه وأخباره يبحث عنها حتى في منزله ومع أولاده، وكل شخص من المحتمل استدعاؤه لإدارة المحافظة على الأمن حيث يذوق ألواناً من التعذيب الجسماني والكلام على تهمة مختلقة أو تافهة، ومن الممكن إبقاؤه تحت يد الشرطة في آفاق التعذيب المظلمة شهراً أو أكثر ثم إطلاقه من غير أن يمر بمحكمة أو يسمع له بدفاع يثبت براءته عند البوليس. . . ليتصور القارئ إن روح الشرف وعاطفة التضامن والشجاعة ونقاوة الضمير وكل ما يعتبر فضيلة في علم الأخلاق يعتبر في نظر الفرنسيون في مراكش جرائم خطيرة يطارد أصحابها وينكل بهم شر تنكيل؛ لأن العقلية الاستعمارية الفرنسية لا تعترف بحياد لأحد مطلقاً؛ فإما خادم لهم يدل على غيره ويتعلق لأصغر الجواسيس وهو يتظاهر بالرضى والابتسام، وإما عدو تعرقل مصالحه اليومية باستمرار وينتظر به أول فرصة ليرمى به في السجن أو ليساق إلى غرفة التعذيب في قسم المحافظ على الأمن.
هذه هي الحالة النفسية والمادية التي تعيش عليها مراكش تحت الاستعمار الفرنسي المفروض، ولكن المراكشيين يفضلون الموت على هذه الحياة التعسة التي سامتهم من البؤس الفظيع ما لا يطيقون. لذلك صرخ حزب الاستقلال حزب مراكش الأعظم الوحيد