قال: للمسألة صلة بالتقاليد وليس بقواعد الأتيكيت. فمن عاداتنا أن لا تزور امرأة رجلا أعزبا في بيته.
قالت: حقاً إنها لعادة غريبة!. . .
ودخلا الدير كما أفهمها فهيم أفندي، وصعدا إلى الطابق الثاني بهدوء مطلق، وولجا الغرفة بهدوء أيضاً.
ودير الأرز هذا كان فيما مضى من الأيام ملجأ للمتعبدات اليونانيات، إلا أنه تحول إلى مسكن لرقيقي الحال من الناس، فضمت جدرانه مهاجراً بولونياً، ولاجئاً يونانياً، ومجلد كتب، وممرضاً، وبائع الخضار، وغيره بائع الألبان، وصاحب مكتب تأجير البيوت فهيم عبد الجواد، وكان جميع ساكني هذا الدير من العزاب، ولذا كانوا يفرضون على بعضهم بعضاً رقابة أخلاقية شديدة الوطأة.
وما إن أجلس فهيم الفتاة إلى المائدة حتى سمع لغطاً خلف الباب، ثم رأى وجهاً يطل عليه من النافذة التي تعلوه، فعرف فيه وجه جاره مجلد الكتب، وقد اتقدت عيناه فغدتا أشبه بالجمر وأخذ ينقر الزجاج بسبابته مشيراً إلى فهيم إن يفتح باب الغرفة.
فما كان من فهيم إلا زجره، لكن المجلد تمادى في النقر وعلى حين غرة حطم الزجاج بجم يده فأحدث فيه فجوة ومد أصابعه منها إلى المزلاج الداخلي وفتحه. . . وكان الهرج خلف الباب يتزايد، ثم بادر المجلد فهيما بقوله:
- ألا تخاف ربك يا جاري؟!
فقال فهيم: خسئت أيها اللئيم، إنها ضيفي، وحاشا أن أدنس بيتي. . .
فقال المجلد: فوالله إن لم أقضي السهرة برفقتكما أثرت سكان الحي عليكما!. . .
وكانت الفتاة ترتجف من شدة الخوف والفزع، وكان زملاء المجلد يدفعون باب الغرفة بمناكبهم وكادوا يحطمونه لو لم يسارع فهيم إلى فتحه، فإذا به يشاهد الممرض وقد رفع مجلد الكتب على كتفيه، وهو في قميص النوم، وبائع الخضار وقد التف بعباءة وهو حاسر الرأس حافي القدمين، وبائع الألبان واقفاً بسرواله الواسع وبيده هراوة ثقيلة. . .