تلقيت كتابك الكريم الحزين، وإني لألمس فيما يضطرم فيه من لاعج الألم: وفيما ينطوي عليه من احتياج كظيم وثورة مكبوتة، مبلغ السعادة التي فجعك فيها القدر، ذلك القدر الذي فجعني مثل فجيعتك.
وما أحسب أهل الحضارات القديمة من الأمم الحالية إلا على عذر في تصورهم أن الآلهة تحسد من تهيأت لهم السعادة في تمامها وكمالها من البشر، فتبتدرهم بما يقتضب تلك السعادة عليهم.
ولقد كنت في صدر حياتي أعجب للمأساة عند الإغريق وتصويرهم فيها للقدر يقضي قضاءه لغير موجب نعقله، فلا تجدي حيلة ولا شفاعة، لا حيلة في الأرض ولا شفاعة في السماء تقف في وجه القدر الطاغية فيما يروونه من أساطير تاريخهم. وذلك انهم كانوا - مع إيمانهم بسلطان الأرباب على البشر - يجعلون القدر فوق الأرباب.
وإنني لأذكر اليوم هذه الصورة للقدر التي كنت أعجب لها عند الإغريق الأقدمين، ثم أذكر هذا الذي ما نزال عليه نحن عامة المسلمين من الاعتقاد بالمقدور المكتوب من قديم لكل واحد منا، وما يستتبعه من الدعاء بدعائنا المأثور (اللهم لا أسألك رد القضاء، ولكن أسألك اللطف فيه) فلا أملك نفسي من مراجعة النظر والتفكير. أجل، إني لأديم التفكير في هذا على الرغم مني.
ولست أزعم ولا أنت تزعمين يا سيدتي أن الفجيعة التي نزلت بنا لم تنزل قط بأحد غيرنا. ولكني لا أجد في ذلك عزاء وأظنك مثلي، وإنما ذلك أدعى إلى زيادة الأسى على حظ البشر المساكين.
وكل ما يستطيعه الإنسان في رأيي ويليق بكرامته أن يواجه الحقيقة وينظر إلى وجهها سافرة معتصما بذلك الاستسلام الجليد النبيل الذي عرف به الفلاسفة الرواقيون. فهل نحن