المصريين الذين كانوا يعرفونني، فوصفوني عنده، وأخبروه بمنزلتي فلبيت دعوته وأتيت، فطلب مني الإقامة معه معللا ذلك بقرب بلاده من مصر، وبأن من اليسير عليّ، وأنا في بلاده، أن أقف على ما يجري في مصر من أحداث.
وربما كان الرجل خالجه إن أمراً ما هو الذي ألجأني إلى أن أهجر بلادي، فشاء الوقوف عليه، فحاول استدراجي لأكشف له عنه، فسألني عما دفعني إلى المجيء، وعما جرى في البلاط، وما إذا كان الملك سحتب آب رع (أمنمحعت الأول) قد رحل إلى السماء.
فهمت حيلة الرجل فلم تنطل عليّ، وقلت له مداوراً حتى لا يهتدي إلى ما كان:(إنني لم آتي هنا فراراً من ذنب جنيته: فأنا لم أنطق بفاحشة ولا أصغيت إلى رأي امرئ، ولا حوكمت أمام القضاء، ولكني - إذ كنت في تمهو (ليبيا) - ترددت في السفر، غير إنني وجدت أنه لا يليق بشجاعتي أن أعدل عما أزمعت من الرحلة فرحلت، لم يكن من أمري غير ما حدثتك، فأنا لا أدري ما دفعني إلى هذا الإقليم).
قال الأمير:(إنما هي مشيئة الإله الكريم، وإن ذكره ليلقي من الروع في قلوب الأجانب ما يلقى عام القحط في قلب الفلاح).
فقلت: (غفواً فلقد تسلم ابنه مقاليد الملك، وتربع على عرشه، وإنه لفريد بين من سبقوه في أخلاقه وعظمته، فهو حازم أريب في كل ما يدبر من أساليب ملكه، وهو يسبغ عطفه على كل من يخلص له، وهو - إلى ذلك - قائد بارع دوخ بجيوشه الأقطار الأجنبية عندما كان أبوه حياً في القصر، وهو بطل صنديد فريد في قتاله: إنه - إذا دارت المعركة - ليقتحم صفوف أعدائه الطغاة غير هياب ولا وجل، فيطيح أبواقهم، ويهشم جماجمهم، ويصدع صفوفهم بضارباته القوية حتى يشل قواهم، فيكفوا عن القتال ويولوا الأدبار، وهو مقتحم لا يأبه بالأخطار، ولا فبل لأشجع الشجعان بالوقوف في وجهه كما انه عداء سريع لا يستطيع أحد أن يفلت منه، بل يتخطفه قبل أن يبلغ مأمن، وإذا ما استحر القتل انقض على أعدائه فنفضهم من حوله نفضا وهجم ذات اليمين وذات الشمال ومن الخلف ومن الأمام، وتساقطت ضارباته العنيفة الثقيلة في كل ناحية، والويل لمن حلت عليه إحدى ضارباته إنها لتجند له وتسحقه، انه هو الأسد الهصور ينشب براثينه في أعدائه بلا شفقه، فإذا هم كالكلاب الذليلة الخاشعة قد انفضوا من حوله، حتى إذا ما انهزموا لم يعفهم بل يطاردهم