حتى يلحق بهم ويمزقهم شر ممزق. لقد أمدته الإله ببطشها وجبروتها، وإنها دائما لترعاه وتكفل له الغلبة على الأعداء الذين لا يؤمنون بها، وقد جمع إلى كل ذلك فضائل جمة، فهو أنيس حلو الشمائل لطيف المعشر نافذ البصيرة قدير على أن يخلب الألباب ويستميل القلوب، وما من أحد في شعبه إلا وهو يؤثره على نفسه، ويفتديه بحياته. وقد تمرس بالحكم ومصاعبه منذ ولد، وكان مولده بشيرا بتكاثر الذريات، وشعبه متمسك به، يحبه ويستريح إلى حكمه، وهو حريص على إن يمد حدود مصر نحو الجنوب، وان كانت الأقاليم الشمالية لم تخضع له، وهذه قبائل الساتي لم تذق ضرباته، ولكن من يدري فربما اجتاح يوما هذه الأقاليم، فخير لك إن تقدم له فروض الولاء حتى يعرفك، ولا ريب أنه سيشملك بعطفه).
فقال:(ما أسعد مصر! إن موقعها حسن وشؤونها مدبرة بأحكام وسداد، وهاأنذا أعاهدك على أن أقدم إليك كل مساعدة أستطيعها ما دمت أنت بجانبي آية تقديري لمصر التي أنت منها).
وقد أوفى الأمير بعهده فزف ألي كبرى بناته، وترك لي أن أختار ما أشاء من أرضه ليقطعني إياه، وكان - فيما عرض عليّ غير ذلك - مقاطعة (له على جانب عظيم من الخصوبة ووفرة الثمرات، اسمها (ياع) كانت حافلة بالحبوب من حنطة وشعير، فياضة من عنب وتين، زاخرة بالعسل، ونبيذها كثير كالماء، وكانت تمرح فيها قطعان لا حصر لها من الماشية.
ولم يقنع الأمير أن غمرني بعطاياه، بل أقامني - رغبة في استبقائي إلى جانبه، والانتفاع بي في ولايته - أميراً على قبيلة من أضخم القبائل التي تمرح في ولايته، فكان رجالها يتكفلون بطعامي كل يوم، فيقدم لي خير الأطعمة من خبز ولحوم طيور وغزلان، وأشهى الأشربة من لبن ونبيذ، وكان يقدم لي الزبد مستخلصا من اللبن، وكثيراً ما كنت أصيد الغزلان أو تصيدها لي كلابي المكلبة فوق ما كان يقدم إلى من رجال القبيلة.
أقمت في تلك القبيلة سنوات طويلات رزقت في أثناءها عدة أولاد، ولما بلغ أولادي أشدهم جعلتهم زعماء على العشائر، وكنت حاكماً باراً كريماً أمد الطعام للجوعان، والماء للظمآن، وأبسط رعايتي على كل من يطلب الأمان، وابذل عوني لكل من أذله الزمان، وأعاقب اللصوص وقطاع الطرقات حتى عم الأمن والرخاء إقليمي، وكنت أواسي بمالي من أنتهب ماله، وكان قصري ملجأ لذوي الحاجة، وما ضننت بمساعدتي على أحد ممن لاذ بي.