وكان الأمير قد اسند قيادة جيشه إلي، فكنت في غزواتي عند حسن رأيه فيّ؛ وأظهرت من البسالة والحنكة ما ظنني أهله؛ فما غزوت قوما إلا انتصرت عليهم، وظفرت منهم بمغانم كثيرة وما عدت من حرب إلا وأنا أسوق معي أسراهم وماشيتهم، وكنت لا أنفك أدبر مكايد الحروب، والقي في المعارك بنفسي ضاربا بحسامي أو راميا بنبالي، وكانت جموع الساتي تهجم على بلاد الأمير فتعيث فيها فسادا، فاستطعت أن أوقف غزواتهم، وأنقذ البلاد من شرورهم، وأردهم إلى مواطنهم في القفار.
ولما نمت أخباري غلى الأمير عظمت مكانتي عنده، وتمكنت محبتي في قلبه.
وكان هناك في أرض تنو بطل صنديد شديد البأس لا نظير له في قوته وشجاعته ونزاله، وربما كان قد امتدت عيناه إلى ما أنا من نعم وفيرة وخير سابغ، فطمع في أن يقتلني ليستحوذ على ثروتي.
جاء هذا الرجل يوما يتحداني ويطلب مبارزتي، فلم أدر ما دفعه إلى معاداتي، ولما استشارني الأمير في أمره أجبته:(لست أعرف الرجل، ولا أراني نداً له في بطشه، ولا كفؤاً له في قتاله، ولا أذكر أنني انتهكت له حرمة، ولا هجمت دارا ولا عثت في أرض. فماذا يدعوه إلى مبارزتي! لست أظنه إلا حسودا.
ليعلمن هذا الزنيم أنني لست كالعجل بين البقر يتربص هجوم الثور عليه ليفتك به، فإن الثور المرير ولوع بالنطاح، وليس على الثور الخرع إلا الفرار. سأتدبر أمري معه ولو أنه بدوي مدرب على القتال، ولنتركه وشأنه حتى يظهر أنه شجاع مقدام ولوع بالنزال وانه يعني ما يتوعد به).
شاع خبر المبارزة في البلد وما جاوره، وبات أهل تنو ليلتهم تلك ومالهم من حديث تلوكه ألسنتهم إلا حديث المبارزة بيني وبين البدوي في الصباح. ونمت أنا تلك الليلة حتى إذا ما تنفس الصبح نهضت من نومي لآخذ للمبارزة عتادها، فأعددت قوسي ووضعت نبالي في كنانتي، وما أن طلعت الشمس حتى كانت الجموع ممن نمى إليهم خبر المبارزة في الجهات المجاورة قد تجمهرت لشهود المبارزة، وكان القوم يبكون والنساء، يعولون خوفا عليّ من خصمي الجبار الذي جاء ليبارزني وقد لبس درعه ولأمته، وحمل فأسه، وتأبط كنانته الحافلة بالنبال، وكان المتجمهرون في حزنهم يودون لو أن مبارزا غيري افتداني وتقدم