وأن يتدرب الأزهري للتخصيص في جميع العلوم العالية كما يتدرب كل مصري للتخصص في جميع العلوم العالية مادام في دور التأهب والتحضير. فيتعلم الأزهري اللغة الأجنبية ويتعلم المبادئ الضرورية من معارف العصر الحديث، ويبدأ في التعلم وفي إمكانه بعد أن يتبين حقيقة ملكاته وميول عقله ونفسه أن يصبح من الأطباء أو علماء الفلك والرياضة كما يصبح من فقهاء الدين أو فقهاء اللغة العربية.
وقد أرتم في مقالكم القيم بالعدد الماضي من الرسالة (أن يقتصر في التعليم الجامعي في الأزهر على كليتين اثنتين: كلية الدين وتدمج فيها كلية الشريعة وكلية أصول الدين، وكلية اللغة وتندمج فيها كلية اللغة العربية ودار العلوم، وقسم اللغة العربية من كلية الآداب بجامعتي فؤاد وفاروق، وتشترك الكليتان في الدراسة العميقة للغتين العربية والأوروبية، وتنفرد كلية اللغة بتاريخ الآداب العربية والأجنبية، كما تنفرد كلية الدين بتاريخ الأديان السماوية والأرضية، وذلك بالطبع فوق ما تختص به كلتا الكليتين من علوم الدين أو من فنون اللغة، وما يتصل بهذه أو بتلك من العلوم الحديثة. . .)
وعندنا أن هذا الرأي في إجماله مقبول لا يكثر عليه الخلاف ولا أرى من جانبي ما أخالفكم فيه قبل الدخول في التفصيلات.
أما التفصيلات، فهي مما يعرض لنا عنه البحث في تقسيم الكليات، وفي مدى التعليم التي يحتاج إليها الطالب الجامعي في كل منها.
فنحن نعتقد أن المجال يتسع في الجامعة الأزهرية لثلاث كليات على الأقل: إحداهما للدين الإسلامي، والثانية للدراسات الدينية والفلسفية، والثالثة لدراسة اللغات والآداب، ويجد الطالب في كل واحدة منها ما يشغله سنوات قبل الوصول إلى دور التخصص والاستيعاب.
سمعت في حياة الشيخ المراغي أنه رحمه الله كان يفكر في تدريس (مقارنة الأديان) بالجامعة الأزهرية، فاستكبرت الأقدام على ذلك قبل تمكين المقدمات التي يتطلبها هذا المبحث الجسام، فأن علم المقارنة بين الأديان أخطر العلوم على من يهجم عليه بغير أهبة وتمهيد، وأنفع العلوم لمن يشارف بعد تأهب صالح وتمهيد طويل.
وهذا العلم وحده - وما يتصل به من المسائل الإلهية - يستغرق السنوات للاحاطه به والإيغال في شعابه ودروبه، وهو يدرس ببعض الإسهاب تارة وببعض التلخيص تارة