عليه صبوة الحب في نفسه، وإغراء الجمال في خادمته. . . وحماقة أبويه اللذان جاءا بها وغفلا عنه وعنها، وصارا يتركانه معها وحيدين في الدار طول النهار، حتى لقد بعثاها مرة تناوله الصابون في الحمام. . . وثار في أول الأمر عليها، وأعرض عنها، ثم أحس أن سمها سرى في جسده وروحه، فأستنفر أخر قوى الفضيلة في نفسه وألح على أبويه في إخراجها من المنزل، فأبيا، وكيف يفرطان فيها وقد وجداها بعد طول البحث، وكبير العناء؟ وهل تدع (الست) زيارتها وسينماها، وتشتغل هي: بالطبخ والكنس لمجرد أن البنت الخادمه جميلة و (دلوعة) ويخشى منها؟ كلام فارغ!
هكذا كان يفكر الأبوان المحترمان. . . وضربا بالعمى عن حقيقة لا تخفى على عاقل، هي أن الرجل والمرأة حيثما التقيا وكيفما اجتمعا: معلماً وتلميذه، وطبيا وممرضة. ومديرا وسكرتيرة، وشيخاً ومريدة، فإنهما يبقيان رجلا وامرأة، لذلك قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم (ماخلا رجل وامرأة (هكذا على الإطلاق) إلا كان الشيطان ثالثهما!
مرض الشاب وعجز عن الاحتمال. . . فكانت الخادمة هي التي تقوم على خدمته، وتصرم الليل كله ساهرة عليه، وتبدل ثيابه فتراه كما هو وتستبيح بالنظر واللمس كل إصبع في جسده وهو لا يحس بها؛ حتى إذا تماثل للشفاء، ومرة في طريق النقاهة رآها إلى جانبه، وكان المرض قد أضعف عزمه وأوهن أرادته، فأنكسر السد وطغى الحب. . . وفي ليلة كان فيها النعاس قد نال منها، حلف عليها إلا أن تستريح وتنام، ولم يكن في الغرفة سرير، فاندست معه في سريره. . . وكان هذا أكثر من أن تحتمله أعصاب رجل في الدنيا، فطار النعاس، وكانت النتيجة المحتومة لهذه المقدمات! ودخلت (الست) في الصباح، فرأت الخادمة بين ذراعي أبنها!!
صحت البنت من سكرتها، وصحا الأهون وأرادوا إصلاح ما فسد، وهيهات! أن الماء قد انسفح على الرمل فمن يرد الماء المسفوح؟ وعود الكبريت قد احترق فمن يرد العود المحروق؟ وعرض البنت قد مزق فمن يرتق العرض الممزق؟ لا أحد!
ووثبوا يفتشون كال المجانين عن طرق الخلاص، وأقبل الشيطان مرة ثانية، وكانت المؤامرة، وانجلت عن ستر هذه الجناية بجناية أخرى، هي أن ترد البنت إلى أبيها الذي يطلبها ليزوجها من ابن عمها، وقبلت: وماذا تصنع إذا هي لم تقبل؟