فر من مصر بلا ذنب جناه ... وهو المولد فيها والرّبيبْ
خوفه بأسَك منها قد نفاه ... فانتفي والخوف يغري بالذنوبْ
فاردُد المجدَ إليه والحياة ... أنه فينا ومنا لقريب
وما انتهى الرقص والنشيد حتى قال جلالته الملك (يا سينوحيت لا تثريب عليك، فلن يصيبك ما تكره، ولن يحيق بك سوء وليهدأ قلبك، ويفرغ روعك، وأنك منذ الآن من رجال حاشيتي بل صفي من بين جميع النبلاء، فأنطلق إلى القصر الذي أختصصناك به، عد إلينا في البزة التي تليق بك).
وأمر الملك رجاله أن يذهبوا بي إلى خزانته لآخذ ما شاء من نفائسها، وخرجت مع الأميرات وأيديهن في يدي، حتى بلغنا الباب العظيم، ثم حللت قصرا من قصور الأمراء أهداه إلى الملك، وقد حملت إلى فيه خيرات كثيرة من القصر الملكي الأبيض، وجئتني نفائس من الحلل الملكية والعطور التي يصطفيها الملك.
وقد وجدت قصري فخما وأثاثه فاخرا، ورأيت له جنة ذات فواكه وأشجار، وفيه كثير من الاتباع والخدم الذين أعدوا لخدمتي، وما كدت أحل بقصري حتى انتزعوا ثيابي الحقيرة، وألبسوني حلة بيضاء فاخرة من الكتان، ورشوا على أجود عطور مصر وأطيبها، بعد أن أزالوا لحيتي وقصوا شعري ونسقوه ثم قذفوا بثيابي القديمة إلى عرض الصحراء.
ونمت هناك على فرش وثيرة، فتذكرت أيامي بالرمل وأهله وما آل إليه من نعمة في هذا القصر الفخم، بعد أن صرت في أعداد النبلاء، وعندئذ أحسست بالشباب يعود إلي بكل مزاياه.
أقمت بقصري منعما، وكان الطعام يحمل إلى ثلاث مرات أو أربعا من القصر كل يوم، وكانت الآسرة الملكية تغمرني بإتاواتها، وهب لي كل ما أمام قصري من الحقول والبساتين مما لا يهبه ألا يهبه ألا لرئيس ديوان.
ومع كل هذه النعم التي أضفاها الملك على لم يغفل عن أن يفي بوعده الخاص بمدفني، فقد أمر جلالته بأن يشاد هرم من الرخام الناصع، فوضع تصميمه كبير المهندسين في القصر، وشيده كبير البناءين فيه كإتقان واجمل ما شيد في حياته، وقد حفر قبري تحته في صخرة، وبعد أن تم الهرم قام رئيس النقاشين نفسه وزخرفته، وهكذا حظيت بما لا يطمع في