قال لي جلالته: (هاأنت ذا أخيرا في القصر بعد أن جست خلال القفار، وتمرست بألاسفار النائية، فقد مسك الضر، ونال منك الوهن، وصرت شيخا ضعيفا حتى ليعسر تحنيط جثتك، ماذا أنت؟ وفيما وجومك؟ أهو الخوف قد عقد لسانك وحصره عن الكلام؟).
فاستجمعت قواي، وتحاملت على نفسي، وبادرت جلالته قائلا: (ومم الخوف يا مولاي؟ أنني لم أسمع منة جلالتك ما أخشاه أمنا أنا إنسان ضعيف، لا تؤيده قوة علوية تدفع ما يحوي محضرك من رهبة في قلبه، وهأنذا أمامك، وحياتي منك واليك وقد وضعت حياتي كلها بين يديك).
وما هي ألا لحضه حتى دخلت الملكة والأمير، وشاء جلالته أن يتبسط معي، فقال مداعبا: (هذا سينوحيت قد أقبل كأنه أحد رجال العامو (بدو أسيا)!).
فتجاهلتني الملكة والأميرات، وهتفن معا: (ما هذا سينوحيت أيها الملك!).
فأجاب (بل سينوحيت نفسه).
ابتهجت الملكة والأميرات بمقدمي، وبادرن إلى جناحهن في القصر، وسرعان ما عدن وقد تقلدن القلائد، وأنطقن المناطق، وتهيأن بآلات الرقص، وطفقن يرقصن وينشدن هذا النشيد:
جادك الأربابُ بالخير العميم ... أيها الملك وأصفوك الخلود
وأحاطوكَ بآياتِ النعيمْ ... واحبَوْاعهدك عزاً وسعودا
ورعا مَسراك أربابُ النجومْ ... أين أبحرت هبوطا وصُعُودا
جامِعَ التاجين في تاج يقومُ ... حول الثعبانُ وضَّاءً فريداً
فوق رأسٍا لك جبارٍا حكيمْ ... لم يزل في كلِّ ما يمضي سديدا
قد أزلت البوسَ عن مصرَ فزلاً ... وغدت أقدارُها في راحتك
دان قطر أنها جنوبا وشمالاً ... لك وأستخذى أعاديها لديك
كل من فيها إذا شاء سؤلاـ ... لا يرى من ملجأ ألا إليك
حيث ضاق الناسَ بالعيش احتمالا ... لم يكن معتمدٌ ألا عليك
دمت للخائف والعاني ثُمالا ... تُبذل النعمى وترجى من يديك
قد حباك الحكَم والبأسَ الإله ... فأنزل خوفك عن هذا المريبْ
ويحَ سينوحيتَ قد طال أذاه ... فمحياة من الخوف كئيب