القصر، أيها الملك العظيم الذي نشر الآله رع رهبتك وجبروتك على كل البلاد، فكل سكانها ينظرون إليك خشية وهيبة بقلوب مضطربة وعيون زائغة. سأترك كل ما في يدي هنا طوعا لآمرك الكريم لمن له الآمر بعدي. غير أن أطمع أن تأذن لرسولك إلى أن يختار ما يروق له عنده وسأبقى مدين لك وحدك بحياتي التي أنقذتها من العذاب. وأدع رع وحورس وهاتور ومنث ـوأنت صفيها ومختاراـ أن تصفيك الحياة الراضية الخالدة).
وأقمت مهرجانا عاما فخما في إقليم (ياع) ثم دفعت إلى أبنائي كل ما تحت يدي من أموال وأنعام، وخلفني ابني الأكبر في زعامة القبائل فاختصبكل مالي من الحدائق والبساتين والحقول والأنعام. وما فرغت من ذلك حتى وليت وجهي شطر الجنوب في عصبة من رجال الساتي (البدو) كانت مهمتهم خفرتني في الطريق طوال رحلتي إلى مصر، ومضينا نغذي السير حتى بلغنا طريق حورس حول الفرع الشرقي للنيل حيث أقيم هنالك حصن لدفع الغارات عن الحدود، فاستقلبنا حاكم الأقاليم بحفاوة، وبعث رسول إلى البلاط يخبر الملك بمقدمنا، وما هي ألا أيام قضيناه هناك في طريق حورس حتى بعث الملك إلينا كبير المشرفين على مزرعة في أسطول من السفن تحمل الإتاوات الملكية إلى العصبة التي تولت خفرتي في أثناء الطريق من رجال السات، فأذنت فيهم، وسلمت كلا منها ما يستحق منها، وبلغتهم تحيات الملك وشكره ورضاه، فحملوني تحياتي أليه وتقديرهم لنعمته، وكروا إلى بلادهم راجعين.
أما أنا فقد تابعت رحلتي حتى بلغت ثتوى (العاصمة) وعندما تنفس الصبح وافاني رسول الملك بدعوتي إلى المثول بين يديه، فسرت معهم حتى بلغنا القصر، فصافحت أرضه، وفي فنائه وجدت أولاد الملك متهيئين لاستقبالي، ثم اقتادني رجال الحاشية إلى حجرة الملك الفاخرة، وفيها وجدت جلالته مستويا على عرشه الفخم، فسجدت بين يديه، وعندئذ أحسست بالعمى يرين على عيني، وبالانحلال يشل أعضائي فيمنعها الحركة، وشبه لي أن قلبي زال عن مكانه، وكانت قد حالت بي الحال حتى لم يعرفني جلالته، فأشفق على، وأمر رجال الحاشية أن يقيموني، وتحدث ألي برفق ولطف، ليسرى عن ما أل بي من الدهشة، ويطلق لساني مما عقله من الاستغراب، فأحسست بالحياة تعود آلي بعد الموت، وبالنطق يعود إلى لساني بعد الحصر، وبدأت أعي ما حولي وأتأهب لفهم ما يلقي ألي.