وطنه مهاجرا إلى أقطار أجنبية. لشد ما أجد من غبطة بعد أن عفا مولاي عني وأذن لي أن ارتد إلى وطني آمنا على حياتي، ولأقيم في بلاطه عالي الشأن راضي المعيشة إلى أن يوافيني أجلي).
ولم ألبث أن كتبت إلى مولاي هذا الكتاب، قدمته بين يدي رحيلي إلى وطني:(أنني خادمك سينوحيت، أتقدم إلى جلالتك بخشوعي وولائي وتحياتي، ملتمسا العفو عما جرته على حماقتي حين أبقت من مصر، وأنك لرب المغفرة أيها الآلة النبيل المهيمن على العالمين، وإني لأتوسل إلى رع وحورس وهاتور وسائر الأرباب العظام أن تهبك الخلود، وتلهمك الحكمة والسداد في كل خطاك، وتكفل لك الأمن والسلام، وتغدق عليك نعمها ظاهرة وباطنة، وتبسط سلطانك على الصحراء، وتمده على كل ما تطلع عليه الشمس من السهول والحزون.
لقد أسبغت نعمك علي أيها الآله الجليل كما يسبغ رع نعمه على مريديه، وقد اطلعت على ما حاك في صدري فشملتني برحمتك وهديتني من ضلال، وآويتني من اغتراب. وانه ليحلو لي أن أعيد ما كتبته يا مولاي إلى من روائع حكمك وآيات بلاغتك، وما كنت ألا خاما تافها لا يستحق شيئا من هذه النعم ولا بعض هذا الاهتمام، لولا أنك - في جلا لك ورحمتك - كالآله العظيم حورس تضلل برعايتك جميع رعيتك.
ولقد ضللت لك - يا مولاي - التابع الأمين الوفي في كل ما قلت وفعلت، وان أمراء هذه الجهات شهداء على ما أقول وحسبك يا مولاي أن كل السكان هناينظرون إلى جلالتك في خضوع الطلاب الوفية، ما تبدلت عواطفي نحوك، وما كانت هجرتي ألا رؤيا حالم في الشمال بأنه قد صار فجأة في أبو (قريب أسوان شمالا) أو رؤيا حالم من جيرة الوادي في الجنوب بأنه رحل إلى مستنقعات الشمال، فأنا لم أجن ذنبا أخشى مغبته، ولم ادنس أذني بالإصغاء إلى الأشرار، ولم يلهج باسمي لسان في مجامع القضاء، وما فتئت في غربتي أرفع ذكرك وأشيد بعظمتك، وما كانت هجرتي من مصر نظاما مدبرا؛ بل خاطرا فطيرا مرتجلا تلجلج في صدري فانطلقت قدماي انطلاقا، لقد قدرت الآلهة على الهجرة. ثم قدرت لي العودة، وهاأنذا أتزلف إلى جلالتك مطاطي الرأس لعلك تعفو عني، وتتجاوز عن سيئاتي. ولا على الإنسان أن يعود إلى وطنه، فما مقامي في هذه الغربة كمقامي عندك في