للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إحدى. . . المزابل!

ألف ليرة تلقى على مزبلة، ونصف الأمة يتضور جوعاً!!

وأعرف آخر من التجار أبى له سفهه وتبذيره وكفره بنعم الله إلا أن يوزع السكر على نحو خمسمائة مدعو لحضور عقد ولده في علب من الفضة في كل منها صحن من البلور، لا أدري من أين جاء بها فما في بلدنا منها، قالوا، إن ثمن الواحدة منها خمس عشرة ليرة، فهذه سبعة آلاف وخمسمائة ليرة، دون باقي المصروفات، في الفرش والزينة والثياب. . وإن من نساء هؤلاء التجار الفجار الأشرار من تشتري المعطف الواحد بألف ليرة، وإذا لم تصدقوا فاسألوا تجار الفرو!

والتبذير في أتراح هؤلاء الأغنياء لا يقل عنه في أفراحهم، فلا تخرج جنازة أحدهم حتى يمشي معها رجال المولوية بقلانسهم التي تشبه علب اللبن، وثيابهم التي تحكي إذا داروا المخاريط الناقصة التي وصفوها لنا في درس الهندسة أيام المدرسة، ولا يمشون حتى يقبض شيخهم الرسم المقرر، خمسمائة ليرة. . . وأمام الجنازة الآس والحناء، وبعدها حفلة (التنزيلة)، ثم (الصباحية) و (العصرية) وللنساء فيها كسوة خاصة تشترى من أجلها، فلا يصل الميت إلى القبر حتى ينفق عليه إن كان من الموسرين خمسة آلاف ليرة، ما أنفق قرش واحد منها في طاعة الله!

وإن حول كل دار من هذه الدور التي تهدر فيها الأموال لمساكن فيها ناس مثلنا، من بني آدم، من إخواننا في الدين وفي الوطن، وفي اللسان، يشتهون عشر معشارها، أو أقل منه ليشتروا به طعاماً يملأ بطون أولادهم، وثيابا تستر أجسادهم، وإن لهؤلاء الناس (لو عرف الأغنياء!) عيوناً تنظر كعيوننا، وقلوبا تتألم كقلوبنا، ولهم بنون وبنات هم قطع أكبادهم، وهم على هلهلة ثيابهم ووساخة أبدانهم أحبة إليهم أعزة عليهم كعزة أولادنا علينا، وربما كانوا أزكى من أولادنا نفوسا وأطهر، وأذكى عقولاً وأمهر، وكانوا أرضى لله وأنفع للوطن منا، ولكن الفقر عطل قرائحهم، وكف أيديهم، وكبل أرجلهم. إن هؤلاء وإن لم يكن في أعراسهم باقات الزهر، ولم يكن في جنائزهم مولوية ولا آس، ولم يعرفوا طريق المدارس والملاهي، ولم يزهوا بغالي الثياب، ولم يتمددوا على أرائك السيارات، ولم يعرفوا المشيخة التي يأكلون بها الدنيا بالدين، ولا الزعامة التي يجمعون بها المال بالوطنية، إنهم هم عماد

<<  <  ج:
ص:  >  >>