هذا الوطن، وهم جمهرة أهله، وهم يزرعون القمح ويقدمونه إلينا ثم يعيشون على الذرة والشعير، وهم يبنون لنا القصور ثم يقيمون في الأكواخ مع البقر والحمير، وهم يصنعون بأيديهم الشيكولاته التي لا يذوقونها، ويحيكون الثياب التي لا يلبسونها، وهم يسهرون في الطرقات ليحرسونا ونحن نيام، وهم يمشون إلى الميادين ليدافعوا عن أوطانها ونحن آمنون، وهم قد دفعوا ثمن الاستقلال مهجهم وأرواحهم، ثم لم يأخذوا من خيراته شيئا. . .
إن هؤلاء هم ركن الوطن وعماده، وهم أهله وقطانه، فحرام علينا أن ننساهم ونهملهم! حرام أن تبقى هذه الأموال ضائعة، وهذه البطون جائعة! حرام في دين الله، وفي شرعة الإنسانية، وفي قانون الشرف، فأين المصلحون، فأين المصلحون؟ أين رجال الجمعيات؟ أين أرباب الأقلام؟
لقد كنت أصفح (أعداداً) عتيقة من مجلة الهلال، فوجدت في (عدد) منها أن في بلاد السويد جمعية اسمها (جمعية أمناء الأزهار) عملها جمع الأموال التي يشتري بها أهل الميت وأصدقاؤه باقات الزهور التي تحمل مع الجنازة ثم توضع على القبر، وإنفاقها في بناء مساكن صحية للعمال والفقراء، يسكنون فيها بأجر يسير، وأنها أنشأت (إلى تاريخ ذلك الخبر) نحوا من ألف مسكن.
فلماذا لا يكون فينا رجال مثل رجال هذه الجمعية، يأخذون المال من هنا، فيضعونه هناك، فيصلحون به أخلاق الأمة بإنقاذها من داء التبذير والأثرة والمفاخرة بالباطل، ويدفعون عن أغنيائها حسد فقرائها وبغضاءهم، ويعودون عليها بالخير لها في أجسادها وعقولها وصناعاتها وحضاراتها إذ ينفقون هذا المال فيما هو أولى به من وجوه الإصلاح؟
لماذا نأخذ عن الأوربيين السم وندع الترياق؟
كم ينفق في الشام ومصر والعراق وسائر بلدان هذا الشرق الإسلامي في الزفاف وحفلاته، والمأتم وملحقاته. . . والأعياد والمواسم وأيام الولادة والختان، فيما لا ينفع أحداً ألبته، ولا يعود عليه بعائدة، ولا تناله منه فائدة؟
حتام تهدر الأموال ويراق الذهب، اتباعا لعادات قبيحة وتقليدا كتقليد القردة، وجمهور هذا الشعب يشكو الفقر والمرض والجهل؟
هل تذهب بشاشة العيد ويمحى رواؤه، لو اصطلح الناس فيه على تقديم السكر الملبس