للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

صوتا يهتف به من أغوار نفسه: (يا لك من منافق! كيف سمحت لنفسك أن تضع شفتيك الآثمتين على شفتيها الطاهرتين؟ وكيف رضيت أن تلف ذراعيك الملوثتين بخصرها؟ وأن تلصق صدرك الخبيث بصدرها؟ يا لعارك!)

ثم يعتزم التوبة والتكفير بألا يلقى بديعة مرة أخرى. ويصر على ذلك إصرارا ونفسه تهتف به إليها هتافا، ويصمد في الظاهر وهو يقرب من الخطيئة الكبرى. . . ثم تقع هذه الخطيئة في أشد لحظاته إصرارا على ألا يلمح (بديعة) أو يراها!. ثم يصبح الصباح!. (واستمر ضميره يخزه وخزا شديدا، وهو يتلوى من العذاب، وضاق صدره فترقرق الدمع في عينيه فلم يستطع حبسه، فجرى على خديه، واستمر في عذاب حتى ارتفع صوت المؤذن يؤذن بالفجر. فأحس كأنه نار تصب في أذنيه. فوضع إصبعه في أذنه ليصمها عن سماع الأذان الذي يزيد من أشجانه، ولكن صوت المؤذن كان يقرع سمعه فكأنه شواظ من نار سددت إلى قلبه فحرقته حرقا، وارتفعت النار إلى صدره فأضنته، وأحس (سميرة) تنهض من فراشها، فأحس عرق الخجل يتصبب منه حتى يغمره، واقتربت من سريره فود أن تبتلعه الأرض قبل أن تمسه، ولكن يد (سميرة) لمست كتفه في رفق، وهمست في حنان: صلاح. . . صلاح. . . انهض قد أذن المؤذن. . .

(فهم بأن يصيح فيها أن تبتعد عنه، وألا تلمسه، ولكن صوته انحبس، ولم يجد مخرجا. فعادت تهزه وتهتف: - صلاح قم. الصلاة خير من النوم. واقتربت بوجهها من وجهه، فلمحت دموعه تجري على خده. فهمست في فزع: - صلاح. ما بك؟ أتبكي؟. . . قم يا حبيبي. قال: دعيني. قالت ما بك يا حبيبي؟ قال: رأيت رؤيا مفزعة. رأيت نفسي أطرد من الجنة).

ولا تنتهي الأقصوصة حتى يكون هذا الواثق في نفسه وقوة إيمانه، المستعز بمكانه في الجنة، القاسي على الضعف والخطيئة. . . معذبا مولها، لا تهب عليه نسائم الرحمة إلا من الإقرار بالضعف والخطيئة والرجوع إلى التواب الغفار عن طريق الخطأ والاستغفار! (ونهض صلاح ليغتسل من إثمه، وانطلق حزينا كئيبا يحتقر نفسه، ويعجب لضعفه، وسمع صوتا آتيا من أغوار نفسه كأنه همس ينبعث من مكان سحيق، ولكنه بلغ أذنيه واضحا قويا، وانساب فيها عذبا نديا:

<<  <  ج:
ص:  >  >>