للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(وبلغا مقعدا خشبيا، فجلسا يحدقان في النيل برهة، ثم زحفت (بديعة) على المقعد بخفة حتى التصقت به، فملأ عبيرها الشذي أنفه، وحرك نفسه، فتاق إلى أن يضمها إليه، ويطوقها بذراعيه، ويمطر وجهها قبلات، ولكنه قمع شهوته، وقاوم رغبته، ورمى بنظره إلى النيل، وجعل يرقب موجاته المتكسرة محاولا أن يتشاغل عن هواتف نفسه، ولكن رغبته خنقته وسيطرت عليه، فارتد بصره إليها، وراح يتطلع إليها في وله واشتهاء. . . والتقت العيون، فترجمت عما تخفي الصدور، فمالت (بديعة) وأسندت ظهرها إلى صدره، فخفق قلبه، وارتفع نبضه، وسرى الدم حارا في بدنه، حتى أحس به يكاد يشوي وجهه، وانبهرت أنفاسه قليلا، وضاقت حدقتا عينيه قليلا، واضطرب كثيرا، وأحس شعرها الأسود السبط الجميل الذي تمنى يوم جلست أمامه في السينما أن يمر بيده عليه، يلمس خده، فسرت رعدته في جسمه، وارتفعت يده دون أن يتكلف ذلك، وراحت تمر على شعرها في حنان، فرفعت عينيها المتكسرتين إليه وهي مستلقية على صدره، واستدارت قليلا كأنما استدارت للقبل. . . ورنت إليه في دلال، وزمت شفتيها تدعوه في خبث إلى اللثم والعناق. . . فلم يستطع أن يقاوم تلك الفتنة المرتمية في أحضانه، ولا نداء العينين الواسعتين الساحرتين، ولا الشفتين المزمومتين المرتجفتين قليلا، المغريتين كثيرا!)

وهكذا يمضي المؤلف بصلاح المسكين في سياق مصور دقيق على هذا الطراز حتى يصل به إلى الدار: (وتذكر في الطريق دعاء ما كان يجري له ببال قبل اليوم، ولم يتحرك به لسانه أبدا، فأخذ يردده في نفسه في حرارة يحس نارها تصهر صدره، ولأول مرة يحس جلال ذلك الدعاء، واستمر يردده وهو يصعد الدرج: (اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي. . . اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي)!

(ودق الباب ففتحته زوجته، فدخل وأغلقه خلفه، ثم طوقها بذراعيه، وراح يقبلها في لهفة وهو يغمغم: (سميرة. . . سميرة؟) كأنما كان في سفر طويل عاد منه، وخطر داهم يهدد حياته، وأحس كأنه يود أن يفضي لها بكل شيء، وأن يقص عليها قصة ضعفه، ولكنه تريث، وتخلصت منه في رفق، وسألته في ارتياب: ما بك الليلة؟ فقال: لا أدري، إني إليك مشتاق كأني لم أرك منذ سنين! فقالت: أأعد العشاء؟ فقال: انتظري حتى أصلي العشاء!

(ودخل حجرته، وأخذ يخلع ملابسه، ولم ترحمه نفسه المهتاجة، بل راحت تخزه، فسمع

<<  <  ج:
ص:  >  >>