للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الكبير بمقدار فنجان صغير.

وخطر ببالي - حينئذ - خاطر عجيب فقد سولت لي نفسي أن أهرب من أداء هذا الواجب اليسير الذي لا يكلفني شيئاً. وقلت في نفسي، والنفس أمارة بالسوء:

إن مئات غيري من الناس، سيقومون بأداء هذا الواجب عني. ولن تقدم هديتي شيئا ولن تؤخر. فلو ملأت الفنجان ماء أو عسلا لما نقصت الهدية شيئا ولا زادت، ولما شعر أحد بتقصيري.

ولكن شد ما دهشت حين فتح الوالي برميل العسل أمامنا. فوجده مملوء ماء كله. وليس فيه قطرة واحدة من العسل.

لعلكما أدركتما السر في ذلك - يا ولدي - فإن تلك الفكرة الخاطئة التي مرت على بالي ودفعتني إليها الأثرة والأنانية إلى إنفاذها قد مرت على بال كل واحد من أصحابي المئين الذين اجتمعوا لتكريم الوالي.

وهكذا كانت هديتنا إليه برميل ماء لا برميل عسل. وقد تركت الهدية في نفس الوالي بعد ذلك أسوأ الأثر، وكانت سيرته معنا كما كانت سيرتنا معه من أقبح السير.

وكان هذا أبلغ درس وعيته في شبابي، وأدركت مغزاه، فلم أنسه طول حياتي.

٧ - دولاب الزمن

يتمثل بعض الشعراء، فيما يتمثلون من أخيلتهم البارعة؟ أن الزمن بحر، ونحن راكبوه على سفائن - من أعمارنا - لا تلبث أن تحطمها الأمواج المصطخبة الثائرة. وفي هذا يقول شيخ المعرة:

(ركبنا على الأعمار والدهر لجة ... فما صبرت للموج تلك الصفائن)

ثم يتمثل شاعر آخر أن سفينة الحياة تخيل لرائيها أنها واقفة على حين يجري بها الزمان، وفي هذا يقول (مهيار الديلمي):

وإنا لفي الدنيا كركب سفينة ... نُظَنُّ وقوفا والزمان بنا يجري)

ثم يتمنى شاعر ثالث لو استطاع أن يلقى بمراسي هذه السفينة في ذلكم البحر الزمني، لتقف ولو يوما واحدا، فيقول الشاعر المبدع (لامرتين) في قصيدته البحيرة وهو من المعاني التي افتن الشعراء فيها وأبدعوا في صوغها وتصويرها إبداعا:

<<  <  ج:
ص:  >  >>