(هكذا وأبدا، نظل مدفوعين إلى سواحل جديدة من الحياة في ليل الأبدية المظلم، لا رجع ولا عود. فهل يتاح لنا أن نلقى مراسي سفينتنا فوق أوقيانوس الزمن؟ وهل يقر قرارنا يوما واحدا؟)
وقد أبدع البحتري - قبل لامرتين - في هذا المعنى أي إبداع حين قال:
(ليت أن الأيام قام عليها ... من إذا ما مضى زمان يعيده)
ومن قبلهما التفت (امرؤ القيس) إلى طول الليل التفاته فريدة، فتمثله خياله المبدع الوثاب، كأنه واقف لا يتحرك، بعد أن شدت نجومه - إلى جبل يَذبَلَ - بأوثق الأسباب، وأمتن الحبال لتمنع الليل عن الحركة وتعوقه عن الانتقال. فقال في معلقته الخالدة:
(فيالك من ليل كأن نجومه ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل)
ثم جاء المعري فمثل لنا العاشق الولهان يود لو استطاع أن يديم ظلام الليل فلا ينتهي، ويتمنى لو يزيد في سواده سواد قلبه وسواد عينه ليطيله قليلا. فقال:
(يود أن ظلام الليل دام له ... وزيد فيه سواد القلب والبصر)
وقال صَرَّدر:
(يا ليت عمر الفتى يُمَدُّ له ... ما امتدُ منه الرجاء والأمل)
وقال:
(فليت الفتى كالبدر جدد عمره ... يعود هلالا كلما فنى الشهر)
ثم جاء (ابن الفارض) فقال:
(يا ليل طل، يا نوم زل ... يا صبح قف: لا تطلع)
ولو شئنا أن نتقصى ما قاله الشعراء في هذا الباب لامتد بنا نفس القول دون أن نبلغ من ذلكم مداه. ولكن حسبنا أن نشير إلى قول الشريف الرضي:
(يا ليلة كاد من تقاصرها ... يعثر فيها العشاء بالسحر)
وقوله:
(ردوا عليّ ليالي التي سلفت ... لم أنهن ولا بالعيش من قدم)
وقول مالك بن الريب:
(فليت الغضا لم يقطع الركب عرضه ... وليت الغضا ماشي الركاب لياليا)