(ولو قال لي الغادرون ما أنت مشته ... غداة جزعنا الرمل: قلت أعود).
يحسبنا هذا القدر على وجازته. وقديما قالوا:
(حسبك من القلادة ما أحاط العنق).
فلننتقل إلى الدعابة الجحوية لنرى كيف تعبر في سذاجة نادرة عن هذه الأعماق والدقائق المعنوية، التي صاغها المبدعون في دورة الفلك ودولاب الزمن:
يسأل جحا وهو صغير:
(أيكما أكبر: أنت أم أخوك؟)
فيقول:
(أخي يكبرني بعام واحد، فإذا جاء العالم القابل تساوينا في العمر).
ويسأل وهو كبير:
(كم سنك يا جحا؟).
فيقول:(أربعون عاما!).
فيقول له بعض سامعيه:
(ألم تقل لنا ذلك منذ سبعة أعوام؟).
فيجيب جحا في غير تلعثم ولا ارتباك:
(وهل يغير الحر كلامه؟).
فأنت ترى في القصة الأولى: تدفعه الرغبة المفكرة، أو التفكير الراغب إلى أن يتمثل: أن دولاب الزمن قد وقف بأخيه عاما ليدركه جحا.
فإذا كبر: دفعته الرغبة أن يتمثل قدرته على وقف دورة الفلك عند سن الأربعين لأنه لا يريد أن يتخطى هذه السن أبدا. وحسبه أن يعيش على هذه الأمنية ما دام في تخيلها سعادته.
ورحم الله الشاعر الذي يقول:
(مُني إن تكن حقا تكن أحسن المنى ... وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا)