أيام كنا الحاكمين بأمرنا ... الساكنين منازلَ الجوزاء
أيام كنا ذاهلين عن الرَّدَى ... نجري ونمرح في الربى الفيحاء
ونخوض موج البحر ملء دعابة ... متعانقين على هدير الماء
متحمسين كأنما خمرُ الصبا ... خمر الألوهةِ من أعزَّ سماء
متلمسين بكلّ شيء لذةً ... ومطوعين المستحيل النائي
وإذا غضبنا عاد حبك غافراً ... وتعثرت شكواك عند ندائي
وفرحت بي فرح الحبيب بإلفه ... قد عادَ بعد مخاطرٍ هوجاء
عشنا السنين كأنها أنشودة ... علويةٌ جلَّت عن الضوضاء
متجددين، وإذ فقدتك لم يكن ... فقدِي لغير فتاتيَ الهيفاء
من رامها أهلٌ الفنونِ نموذجاً ... للمبدعين ومن لها أهوائي
من صوتها الحلو الشجي سلافتي ... وحنانها العذب السخي دوائي
من لم تدع غير البشاشة وحدها ... تفشي خواطرها لنقدِ الرائي
من أشربت حب الدعابة سمحة ... واستضحكت لمصاعب الأشياء
من لم تر الدنيا سوى تغريدة ... فأبت هواجسها أشدَّ إباءِ
من لم تردّدْ غير آمالِ الصبا ... لتردَّني لطلاقتي ورضائي
من عشت أفديها بكل جوارحي ... فإذا الفداء يهونُ وهي فدائي
من علمتني أن أقدس واجبي ... مهما شقيت فأستطيب شقائي
من لم تودِّع في السقام وفاءها ... للناس حين مضوْا بكلّ وفاءِ
من لم تفارقها الشجاعةُ مرة ... حتى الممات، شجاعة العظماءِ
فمضت وخلتني وحيدا عابرا ... قفر الحياة أنوءُ بالأنواءِ
هيمان، قربك وحده مستنقذي ... ظمآن، ليس سواك ريَّ ظمائي
أقتاتُ بالحزنِ المبرَّح راضياً ... وأعافُ كلَّ ملاحةٍ وسناء
وأضعت فني بعد موتك في الأسى ... وكأنما صوَرُ الجمال بلائي
من طالما ناجيتها متغزِّلا ... غرداً، فمات بهاؤُها وبهائي
كانت لروحك منك أنسَ مدامة ... ومجالَ أشواقٍ ونبعَ صفاء