وروحاً، وبأيد قويه حازمه، وأعين بصيره، وقلوب مؤمنة، وعقول على التدبير له والتفكير في شأنه مقصورة، فإن المظهر الذي لا روح له، ولا حقيقة تؤيده، يضر ولا ينفع، ويؤخر ولا يقدم، وإن التطبيق الصالح لنظام فيه بعض المزايا خير من التطبيق السيئ لنظام من أرقى النظم.
كانت المعركة بين رجال الإصلاح وبين فضيلة الأستاذ الأكبر المراغي رحمه الله لا تعدو هذه الدائرة، وكان لفضيلته ناحيتان: ناحية يرى بها رأى المصلحين، ولا يجادلهم عليه، ولا ينازعهم فيه، بل كان يقرر في عبارات صريحة جريئة أن نظام الأزهر لم ينفذ، وأنه هو منذ تولي أمره لم يخط خطوة جادة في سبيل تنفيذه على النحو الذي يطمئن إليه قلبه ويستريح إليه ضميره؛ وناحية كأنها تحول بينه وبين مايريد، وتغلبه على أمره، ذلك بأنه كان رجلا خطيراً، نزّاعاً إلى غايات، نظّاراً إلى جوانب، يغار على نفسه، ويعتز بشخصه، ويحسب للسياسة حسابها، فيلمحها ويتطلع إليها، ويراقب تياراتها، ويفيد منها، ويحارب بها، ويجري في كثير من أعماله وأحواله على أساليبها، فلم يكن من السهل عليه مع هذا أن ينفذ ما شرع، وأن يحقق ما رأى، فكان قصاراه أن يصابر الداعين، ويلاين المهاجمين، وينتحل المعاذير في لباقة وحسن تخريج، ويحيل على الزمن، ويرى أنه يتربص للظروف والمناسبات، ولكن رجال الدعوة أعيوا به وأعيابهم، فانقلبوا عليه وانقلب عليهم. . . فكانت ثورة الأزهر!
ولعل الأستاذ الزيات وقراءه الكرام لم ينسوا أن الرسالة الغراء كانت حاملة لواء تلك الدعوة. ولست أنسى أنها نشرت في بعض أعدادها المذكرة المراغية المشهورة في إصلاح الأزهر، ثم علقت عليها بهذه الكلمة الجامعة اللاذعة التي ضمنها الأستاذ الزيات خلاصة الدعوة وغايتها حيث يقول:(هذه المذكرة هي مقطع الصواب في هذا الباب، وما نظن أحداً ممن تحري وجوه الصلاح لهذه الجامعة الإسلامية العظمى قد بلغ من ذلك بعض ما بلغ الإمام (المراغي) في هذه الكلمة. . . فلم يبقى عليه إلا أن ينفذ ما وضع، ويطبق ما شرع.
(إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تترددا)
وقد توالت النذر، وتتابعت الصيحات، على صفحات الرسالة، وفي التقريرات المرفوعة، وفي المحاضرات العلنية الجامعة، وكان منها تلك المحاضرة التاريخية التي ألقاها رجل