كبير مسئول، لرأيه وزن وتقدير في الأزهر وفي غير الأزهر، هو فضيلة الأستاذ الشيخ محمود شلتوت عضو جماعة العلماء ووكيل كلية الشريعة (يومئذ)، وقد عرض فيها لحالة الأزهر قديماً وحديثاً، وبين مدى انتفاعه بقانون الإصلاح المبنى على المذكرة المراغية ثم قال موجها كلامه إلى إخوانه وأبنائه من الأزهريين:
(أيها الإخوان. أيها الأبناء. لا أحب أن أبرح مكاني هذا حتى أصارحكم بما يجب أن نحسب حسابه، وأن نجعله نصب أعيننا من التفكير والعناية: إن الأزهر حقيقة كان مقصراً فيما مضى، ولكن الأمة لم تكن قد نهضت هذه النهضة، ولم تكن قد مارست من الشئون ما تمارس اليوم، فلم يكن الفرق بينها وبين الأزهر يومئذ ملحوظاً، أما اليوم فإن الأمة قد تنبهت وأصبحت تكلف أبنائها نشاطاً في خدمتها، ودأباً على ترقية شؤونها، وإخلاصاً وتفانياً في أداء واجباتها، وهي ترقب عن كثب ما تعمله كل طائفة لتحل هذه الطائفة محلها من الاعتبار أو الإهمال.
(ولست أشك في أن أبناء الأزهر اليوم قد وسعت الحياة مداركهم، وملأت بالآمال نفوسهم، وخلقت فيهم استعداداً حسناً للاضطلاع بأكبر المهام، ومنافسة أعظم الجامعات، وإنه لا ينقصهم سوى شيْ من العناية الجادة الحازمة يتصل بهم، فيربط بين قلوبهم، ويكشف لهم عن وجهتهم، وينظم جهودهم ويبرز أعمالهم؛ وليس من الرأي أن نترك هذه النفوس المستعدة المتطلعة إلي المجد حائرة دون أن نهديها السبيل)
تلك صفحة من تاريخ الجهاد في سبيل الأزهر، وفي الرسالة صفحات وصفحات!
و. . . أما بعد - مرة أخرى - فأن الأزهر كما تقول يا صاحب الرسالة في مفترق الطرق، وهو في مفترق الطرق منذ ذلك العهد، حين وضع نظامه الجديد ثم اكتفى في تنفيذه بالعرض دون الجوهر، وبالقشور دون اللباب، وسيظل في مفترق الطرق حتى يأذن الله له بنفحة من نفحات الجد والعزم والإقدام يقصد بها وجه الله فحسب، ولا تلويها السياسة ولا الأغراض ولا المناصب ولا الدسائس عن غايتها. يومئذ يندفع الأزهر من مفترق الطرق سيراً إلى الأمام، يسابق فيسبق وإنه لسباق!
أما إذا طالت وقفته، فأن ركب الحياة لا يستأني له، ولا يصبر عليه، ويومئذ تكون التي نسأل الله ألا تكون!