كنت أتوقع أن يسأل عن اللجان التي ألفت لترجمة المفيد من كتب الغرب العلمية تمهيدا لإخراجها والانتفاع بها.
كنت أتوقع أن يسأل عن حالة البعوث العلمية التي تفد إلى الأزهر من سائر البلاد الإسلامية شرقيها وغربيها ليعلم: أيقوم الأزهر بأداء أمانته في هذه الناحية؟ وما مدى قيامه بها؟
كنت أتوقع أن يقرأ مجلة الأزهر، ثم يسأل عن مشروع إصلاحها وماذا فيه؟ وفي أي درج من الأدراج هو الآن؟ لينفض عن الغبار، وينفي عنه القتار!
كنت أتوقع أن يسأل عن (مشروع بناء الجامعة الأزهرية) وبعض المعاهد الدينية تمهيداً لاستئناف العمل فيه، وقد شرف فضيلته بعد انتهاء الحرب، وفي ظلال الأمن والسلام.
كنت أتوقع ذلك كله، وكنت أتوقع أكثر منه، لأني أعرف أن الأستاذ الأكبر الجديد رجل أزهري من تلاميذ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، يغار على الأزهر، ويسره صلاحه ونجاحه، وأنه قد ضم إلى ثقافته الأزهرية ثقافة أوروبية، وتقلب في مناصب عدة، وكنا نسمع عنه من أصدقائه المتصلين به أنه غير راض عما كان قبله من المطاولات والمراوغات.
كنت أتوقع ذلك كله ليسير الأزهر في عهده الجديد سيراً حثيثاً إلى الإمام، فيتدارك ما فاته، ويحقق ما أخذ على عاتقه تحقيقه ويثبت للناس بالأعمال لا بالأقوال أنهم في حاجه إليه، وأن غيره لا يغني عنه.
ولكن شيئاً مما توقعته لم يكن، أو أنا على الأقل لم أره ولم أعلم به، وما أحسب الآمر من السر والكتمان، بحيث يكون ولا أعلم أنه كان!
ومهما يكن من شيء فلا أحب أن نيأس، وقد كنا سمعنا أن فضيلة الأستاذ الأكبر قال في أول خطبة له بعد أن تولى منصبه مخاطباً أبناء الأزهر:(أما والله لأدفعنكم بكلتا يديّ إلى الطريق!) فإن كان موعد هذا الدفع لم يحن بعد فنرجو ألا يطول بنا الانتظار!
وأما بعد مرة ثالثة، فإن لي في شأن اقتراح الأستاذ الكبير الزيات، وما أتبعه به الأستاذ الكبير العقاد، رأياً، وليس المجال اليوم بذي سعة فأدلي به، فإلى اللقاء - إن شاء الله - في حديث بعد هذا الحديث.