للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المصورين ينفرد كل منهم بطابع مستقل، وشخصية متميزة وعالم خاص وأعمالهم الفنية مرآة صافية لعواطف واحساسات، كثيراً ما تحول مشاغل حياتنا اليومية دون تعهدها والتمتع بها. ورسالة الفن أولاً وأخيراً هي أن يتم نواحي النقص في حياتنا النفسية والروحية، وأن يمهد لنا سبيل استنهاض هذه العواطف والاحساسات، وأن يعاونها على ارتياد آفاق جديدة، حتى يعاودها شبابها وعمقها وحيويتها، كما أن عددا كبيراً من الصور التي ينقصها النضوج والإتقان. وقديماً قيل أن الذوق لا يعلل، وكثيراً ما اتخذ هذا القول ذريعة للتسامح والتهاون والاستهتار، وحسبنا هذه الإشارة، وفيما يلي عرض سريع لمآثر المعرض:

عرض محمود سعيد بك لوحتين لا تمثلان خير إنتاجه. ومكانة سعيد بك معروفة، ولكنه لا يحاول أن ينوع أو يرتاد آفاقاً جديدة. وصورة هذا العام ليست إلا نسخاً أخرى من موضوعاته التي ألفناها.

وقدم الأستاذ مصطفى دربالة دراسة رائعة (للبوظة) في عدة لوحات وفق في معظمها توفيقاً نادراً إلى التعبير الصادق المتقن عن روح (البوظة) وطابع شخصيات روادها ونفسياتهم.

وفي صور الأستاذ زوريان أشود طلاقة وحرية في التعبير الجيد عن الخصائص الكلية للأشياء. وله صورة وجهيه (صورة نورا) نعتبرها أنموذجاً كاملاً لما يجب أن يكون عليه هذا الفن، ففيها يمتزج المعنى والمبنى وتأتلف كل عناصر الفن، وفضلاً عن أنه وفق إلى التعبير عن روح صاحبة هذه الصورة، منعكسة على سماتها وملامحها، فالصورة ذات مميزات بارزة إذا نظرت كشيْ قائم بذاته.

وعرض الأستاذ نعيم جاب الله ثلاث لوحات قيمة تدل على حيوية كبيرة: فالطبيعة التي تبدو للعيون هامدة خامدة تتجلى في صورة نشطة نشاطاً عارماً مليئة بالقوة والحياة. ونحن نشهد لهذا المصور الشاب بعمق الشعور ودقة الذوق الممثلين في حسن اختياره للألوان، ونشهد له بإحساسه القوي بالنور المصري الصافي، وهو إحساس نفسي لا بصري فقط - ورسالة الفن تتلقاها العين ولكن تؤديها النفس - وصورة تذكرني بقول الشاعر كيتس: (الألحان المسموعة حلوة، ولكن غير المسموعة أحلى) لأن فيها ألحاناً غير مسموعة، وهي بذلك تؤدي رسالة الفن التي تقصر عن أدائها الألفاظ.

<<  <  ج:
ص:  >  >>