وفي الحال فهم كل شيء فقد كان (رفائيل دور ميفال) أثناء الشهور الأخيرة التي سبقت مرض (جاكيلين) يتردد على منزلهم، بل طالما دخل جيوم فألفى هذا الرجل جالسا بالقرب من زوجته، فالآن قد أدرك معنا صمتهما الذي كان يسببه لهما حضوره المضايق.
وفي هذه اللحظة كانت الساعة تدق الحادية عشر مساء، فنهض وغادر الحجرة وتناول قبعته ومعطفه وخرج إلى الطريق، فاستقل سيارة أجرة إلى نادي شارع كابوسين فصعد إليه فألفى هناك عدة مناضد مشغولة بلاعبي الورق، وفي نهاية إحدى القاعات الكبيرة كان عدد من الأشخاص يلعبون (البوكر) فوقع نظره بينهم على رفائيل دور ميفال، فاقترب جيوم من المنضدة ألقى عليها بضع قطع من الذهب ليشترك في اللعب. وبعد دقائق رأى الحاضرون بدهشة فائقة أنه بدون مبرر، أو بمبرر تافه قد أخذ يسب دور ميفال بأفضع الأساليب وفي النهاية تبادلا البطاقات واتفقا على تعيين شهود المبارزة.
وبعد ذلك عاد جيوم إلى منزله فتناول صورتي جاكيلين الفوتوغرافيتين التين كانتا تزينان موقد غرفته وألقى بهما في النار. ثم دخل حجرة الاستقبال فخلع صورتها الزيتية ومزقها وألقى بها في النار وكذلك قطعة إثر قطعة، وعلى أثر هذا نام نوما هادئا بعض الشيْ وحينما استيقظ في اليوم التالي ألفى نفسه ساكنا لأنه يخيل إليه أنه قتل تلك الميتة مرة ثانية مادام قد قتلها في نفسه نهائيا وإلى الأبد، وأن ذكريات الخيانة المرعبة لن تتسلط عليه أبدا، وأن كائنا واحدا يمكن أن يذكره بهذه الخيانة وهو رفائيل دور ميفال، وهذا الكائن سيموت ولن يبقى بعد ذلك شيْ من الماضي.
وفي الساعة العاشرة اجتمع الشهود، وفي الرابعة حدثت المبارزة، وعندما ألفى جيوم نفسه تجاه خصمه أحس كأن الغيظ منه والحقد عليه يقفزان به، وإذ ذاك فقط تألم وعرف بحق وبهيئة عميقة أن الحياة لن تكون ممكنة بالنسبة إليه مادام هذا الرجل يحيا.
هاجمه مرتين بعنف بالغ أشده حتى اضطر الشهود إلى التفريق بينهما، وفي المهاجمة الثالثة ألقى بنفسه عليه واخترق جسمه بضربة من سيفه فهوى وأسلم الروح لساعته.
وبعد أن فارق جيوم شاهديه أخذ يتنزه في الغابة ساعة، ولم تكن أية فكرة تهيجه إذ ذاك،