المدخل والباب الأخير إلى ثلثمائة متر، وهذا الباب الأخير هو باب مخدع الإله الأعظم.
وأول ما يلفت نظر الداخل في المعبد هو البهو الكبير ذو الأعمدة الضخمة، وقد بلغت مساحة ذلك البهو الفخم في معابد الكرنك ثلثمائة متر في خمسين مترا، وهذا البهو مسقف بكتل عظيمة من الأحجار يحملها أربعة وثلاثون ومائة عمود، مصطفة في ستة عشر صفاً، وطول أعمدة الوسط منها ثلاثة وعشرون متراً وقطرها ثلاثة أمتار ونصف. فتصور بهواً يحوي هذا العدد من هذه الأعمدة التي بلغ ارتفاع الواحد منها ارتفاع عمارة مكونة من سبع طبقات تقريباً. كيف يكون تأثير مثل هذا البهو الرهيب الفخم في نفوس المصلين؟ ألا يمكننا اعتبار هذا البهو رمزاً للقوة والبطش كما أنه مثال العزلة والرهبنة؟ إن طول قامة البشر في هذا البهو لا يتجاوز قاعدة العمود. وبين تلك الأعمدة يقوم الشعب بتأدية الصلاة، أما فرعون وحاشيته فيستمرون في موكبهم مخترقين الردهات والدهاليز حتى يصلوا إلى مخدع المعبود، وهو مظلم لا يصله الضوء إلا من فتحة واحدة في السقف، قد وضعت بهندسة خاصة بحيث لا تضيء من المكان سوى تمثال الإله، حتى يخيل للرائي أنه يشع الضوء من جسمه. وأمام المعبود وتحت قدميه يوجد نضد عظيم من الحجر ليضع عليه فرعون قربانه بين التراتيل والتعاويذ الدينية ذات الأنغام الساحرة الرهيبة.
ولو كانت لي موهبة في الإيضاح أرقى من ذلك لاستطعت أن أضع لكم صورة اقرب للحقيقة للمعبد والدرجة، التي وصل إليها من الإبداع، ولكن عظمة ذلك الفن وروعته فوق أن يصفها قلمي الضعيف.
وهنا اقف بسيدي القارئ لأساله: هل يوجد مكان انسب لبناء المعبد من المكان الذي اختاره الفنان المصري؟ هل يوجد بناء تتمثل فيه معاني القوة والخشوع والرهبة اصلح للعبادة من تصميم هذا الهيكل الفرعوني؟ وهل يمكن إيجاد بيئة تحيط بالمعبد من الوجهة المعنوية والفنية أقرب للكمال من تلك البيئة التي هيأها هذا الفنان الحاذق؟ أظن أنه لا يمكن أن نجيب على تلك الأسئلة إلا بالنفي. ولقد أجمع عظماء الفنانين في العالم على أن المعبد المصري هو صاحب المنزلة الأولى بين معابد العالم، وإذا أمكن تصور منزلة أسمى من الأولى لكانت هي منزلة معبدنا، وبالتالي فن عمارتنا الذي نفر ونهرب منه، ونتناسى منزلته حتى في هذا العصر الذي هو عصر تجديد وانقلاب، لم يفكر أحد من كبار الفنانين