قضايا الشرق العربي والاستعمار الفرنسي. وهو انقلاب يجب تسجيله، لأن تسجيله مفيد.
حينما كانت الأزمات على أشدها بين أمم الشرق العربي وفرنسا. . . حينما كان بعض الكتاب يحملون على فرنسا حملات نارية لأنها تستخدم الوسائل البربرية في قمع الشعور الوطني في نفوس العرب. . . حينما كانت دماء بعضهم تغلي لأنه لا يطيق أن تتحكم هذه البربرية في مصير العرب في سورية ولبنان وفي الشمال الإفريقي. . .
في هذه الأوقات كان للأستاذ توفيق الحكيم رأي آخر، أشار إليه الأستاذ (عبد المنعم خلاف) إشارة صريحة على صفحات الرسالة بعد مشادة عنيفة بينه وبين الأستاذ توفيق في جلسة من جلسات لجنة التأليف والترجمة والنشر وأشرات إليه من بعيد في مقالة لي بالرسالة بعنوان: (هذه هي فرنسا)!
ولقد كان الأستاذ توفيق يثور وينفعل، لأن فرنسا في خطر، ولأن فرنسا ذخيرة إنسانية فداؤها كل شيء. ومن كل شيء هذا الشرق العربي الجاهل المجنون!
لقد أدهشني ولا شك ذلك الانقلاب. ولكنه أفرحني أيضاً، فهذا (سحر الجلاء) وسره العميق! هذا هو النور الذي يكشف الغشاوات الوقتية التي تحجب النور حتى عن العيون الفطنة اللماحة مثل عيني الأستاذ توفيق الحكيم!
(وهبطنا مطار المزة، فوجدنا في الانتظار دولة سعد الله الجابري رئيس الوزراء. فما كاد يراني حتى ابتدرني قائلاً:
- وأين حمارك؟
فقلت على الفور:
- أوفدته ليشيع المحتل الراحل بما يناسب المقام!
وكدت أتابع الحوار فأنوب عن دولة سعد الله الجابري لأقول:
- ولكن المحتل الراحل هو (فرنسا) يا أستاذ توفيق!
إلا أنني ذكرت (سحر الجلاء) سحلا الاستقلال ذلك الذي يكشف الغشاوات الوقتية التي تحب النور حتى عن العيون الفطنة اللماحة مثل عيني الأستاذ توفيق الحكيم.
كم في مصر من المخدوعين بفرنسا! وكم فيها من المخدوعين ببريطانيا! وكم فيها من المخدوعين بأمريكا! وكم فيها من المخدوعين بالعالم الغربي على وجه العموم!