الثائرة، ولا يلبث أن تتمزق أشرعته، فينهمك ملاحوه في إصلاحها. فيصيح بهم هذا الرجل:
علام تتكبدون عناء الصعود إلى أعلى السفينة؟ إنها لا تهتز من أعلى بل من أسفل. فما بالكم لا تربطون أسفلها بقاع البحر حتى تأمنوا اهتزازها؟
لاشك في أننا نحسبه معتوها إذا لم ننظر إليه على ضوء ما أسلفناه. ومن يدري؟ فلعلنا إذا رأينا ما يصنعه قادة العالم لإنقاذ سفينة السلام التي تتقاذفها الأنواء وتمزق العواصف أشرعتها، ورأينا كيف تشغلهم أسافل الأمور عن أعاليها، فيقترحون ربط السفينة من أسفل، بدلا من العناية بإصلاح أشرعتها العليا. عذرنا جحا فيما رآه.
٩ - جواب الحانق
ونحن إذا سمعنا أن رجلاً كان يملأ جرته من النهر، فأفلتت الجرة من يده، فجلس يترقب خروجها من الماء، حكمنا عليه بالبله، كما حكم بعض الناس على صاحبنا جحا.
ولكننا حين نتمثله وهو محنق مغتاظ لسقوط الجرة وضياعها وإنه لفي دهشته وحيرته وهو مسترسل في غيظه وغظبته، وإذا بثقيل يقطع عليه تفكيره ويزعجه بسؤاله:
(عم تبحث يا أستاذ؟)
فلا يرى متنفساً لغيظه في غير التهكم والسخرية بذلكم الفضولي فيقول:
(لقد أفلتت الجرة من يدي إلى قاع النهر فجلست أترقب عودتها إلي، ومتى عادت أمسكت بها من أذنها وفمها حتى لا تعاود السقوط مرة أخرى.