مقصوداً لذاته، وإنما استثاروا بها خواطرهم فأتت بهذه المعاني الشعرية الجميلة، فجاء قولهم متحركا نابضا بالحياة، لا عيب فيه إلا أنه ليس مقولا في رضوى وثهلان!
البديع:
يكاد ينعقد الإجماع على استهجان ما امتلأ به أدب المتأخرين من ألوان البديع، فهم يأخذونه جملة واحدة بأن العناية مبذولة فيه إلى الزخارف البديعة والتحسينات اللفظية، مرتبين على ذلك انتقاصه وتهجينه وتنفير المتعلمين منه، ولعلهم يبتغون من وراء ذلك صرف الناشئين عن التكلف إلى الاسترسال. ولكني أقرر أولاً أن ثمة فرقاً بين الصنعة والتكلف، فالصنعة لابد منها في كل عمل فني يقترب من الكمال، يزاولها الفنان فتكون من تمام جمال الفن. ولقد كان زهير يأخذ شعره بالصنعة إذا كان يعاود حولياته بالتنقيح والتثقيف، وتعاقب بعده شعراء تناولوا أشعارهم بالتصنيع والتحسين كالحيطئة وبشار، حتى كان مسلم ابن الوليد وأبو تمام وابن المعتز فالتفتوا إلى المحسنات اللفظية والمعنوية وحسن موقعها في الكلام، فاتخذوها في صناعتهم الشعرية قصداً، وكثيراً ما كانت تواتي أسلافهم عفواً ومن فيض الخاطر، وازدانت بها آيات الكتاب وأحاديث الرسول. أما شعراؤنا المتأخرون فقد زادوا فيها وأكثروا منها حتى صارت ركناً من أركان الأدب، وأصبحت غرض كل أديب، وقد ترامى بها الحال حتى جاوزت الألفاظ إلى الأشخاص في البيتين الظريفين الآتيين:
وقالوا يا قبيح الوجه تهوى ... مليحاً دونه السمر الرشاق
فقلت: وهل أنا إلا أديب ... فكيف يفوتني هذا الطباق!
ولا ينبغي أن يغض المتكلف المرذول من قدر البديع المحكم الصنع، وما البديع إلا مادة زينة كالذهب والأزهار، يختلف المزيَّن بها باختلاف الصياغة والتنسيق، وهنا الحد بين الصنعة والتكلف.
وكيف تحمل على التخلي عن الصنعة في الآثار الأدبية؟ أليس اختيار الألفاظ وإحكام النسج وترتيب الأفكار والمعاني صناعة؟ ولو تخلينا عنها لما استقام للشعر وزن ولا اطردت له قافية.
ويقولون: إن المتأخرين كانوا يصنِّعون في أدبهم ليعوضوا فقره في المعاني. ولو أنهم حقاً شعروا بشيء من ذلك لعملوا على تلافيه، والشعور بالنقص مبدأ الكمال، كما يقال. ولا