يكون الموصوف جليلاً، فمن يصف الفيل مثلا أشعر ممن يصف العصفور، لمجرد أن العصفور صغير والفيل كبير؛ وواصف جبال (الهملايا) - على هذا القياس - أشعر شعراء العالم ولا جدال. . .!
والهبل لأم عنترة القائل:
وخلا الذباب بها فليس ببارح ... غرداً كفعل الشارب المترنم
هزجاً يحك ذراعه بذراعه ... قدح المكب على الزناد الأجذم
لأنه يصف الذباب فيشبهه في مرحه بالشارب المترنم، ويمثله وهو يحك ذراعه بذراعه بمقطوع اليد مكباً على الزناد ليقدحه، وما الذباب؟ وما الأجذم المكب؟ أوَ ليسا تافهين حقيرين؟! وما إعجاب النقاد ومنهم الجاحظ بهذا التصوير؟!
ويا ويح امرئ القيس! ألم يجد غير قلوب الطير المتناثرة، والحشف البالي، فيبني لها بيتاً فخماً كهذا:
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدي وكره العناب والحشف البالي
والعجب العجاب أن يكون العائبون مؤرخي الأدب المحدثين وهم يعلمون أن كل شيء يصلح موضوعا للأدب ما دام موضع حس الأديب وانفعال نفسه، ولا يهم بعد ذلك أن يكون هذا الشيء جبلا أو نملة. ثم لننظر ما قال شعراؤنا المتأخرون في أشيائهم التافهة، قال شهاب الدين الحلبي في سبحة:
وسبحة مسودة لونها ... يحكي سواد القلب والناظر
كأنني عند اشتغالي بها ... أعد أيامك يا هاجري
وقال محمد بن سور بن إسرائيل في مروحة:
ومحبوبة في القيظ لم تخل من يد ... وفي القر تجفوها أكف الحبائب
إذا ما الهوى المقصور هيج عاشقا ... أتت بالهوا الممدود من كل جانب
وقال ابن نباتة في دواة فولاذ:
دواة لها جنس الحديد وبأسه ... وزادت عليه في الندى فهي أبهر
وكمل معناها يراعك منشئاً ... ففولاذها في الحالتين مجوهر
على أنك ترى هؤلاء الشعراء لم يتصدوا لوصف هذه الأشياء باستقصاء أجزائها وصفاً