وماذا يضر إذا نافس الأمريكان الإنجليز في إرضاء اليهود على حساب العرب ما دام الأمر لا يكلفهم إلا إيفاد (لجنة) تبحث وتحقق، ثم إرسال (حملة) تنفذ وتطبق؟ أما فلسطين فحسبها من العيوب والذنوب أنها شرقية، وأنها عربية، وأنها مسلمة، فلم لا تكون مشاعاً بين أهل الديانات الثلاث، ثم تقطع إقطاعاً ليهود القارات الخمس؟ ولا تسل بعد ذلك عن حرية الشعوب وحرمة الأوطان وقدسية الحقوق، فإن ذلك كلام كان يقرر ويكرر وسيف هتلر مصلت على الأعناق، وكابوس النازية جاثم على الصدور!
واستالين، ما شأنه والوصاية على طرابلس؟ هل كان يظن أن إنجلترا تترك مفتاح (كرارها) في يد القط؟ إنها ترضى إذا حيل بينها وبينها أن تعود إلى إيطاليا، لأن إيطاليا ريح لا تثير الغبار، وحصى لا يعوق السائر! فإذا سألت هؤلاء الذين يحكمون ويقسمون: لماذا تردون المسلوب إلى سالبه، ولا تردونه إلى صاحبه؟ أجابوك جواب المستعمر الخبير: إنا إذا أعدنا طرابلس إلى أهلها خرجت برقة من قبضة بريطانيا، وأفلتت تونس والجزائر ومراكش من ربقة فرنسا. وجعلها في وصاية الجامعة العربية لا يختلف عن استقلالها في الخطر الذي يهدد الجامعة الغربية؛ لأن الشرق ما دام سوقاً للاستعمار ظلت سلعه المباركة موضع المقايضة والمعاوضة! فإذا حررت رقاب العبيد، وأغلقت سوق الرق، انقلب المستعمرون إلى ديارهم خاسرين يقتل بعضهم بعضاً من الخوف، ويأكل بعضهم بعضاً من الجوع! والرد الذي تقتنع به عقلية الغرب، إنما هو مجابهة العدوان بالعدوان، ومواجهة القوة بالقوة. وليست الإشارة هنا إلى العدوان والقوة من القول الجزاف؛ فإن قوتنا الفكرية متى ذهب عنها مركب النقص الذي اعتراها من طول ما ضامها المستبد وسامها الدخيل، استطعنا أن نقول صادقين لأي أمة من أمم الأرض: لقد اجتمع رجالنا برجالكم في مؤتمر الميثاق وفي مجلس الأمن، فهل وجدتم في عباقرة أوربا وجهابذة أمريكا من يفوق عبد الحميد بدوي، أو محمود حسن، أو حافظ عفيفي مثلا، في رسوخ القدم في القانون، وأصالة الرأي في المشورة، ومتانة الحجة في الجدل، ومقطع الصواب في الحكم؟ وأما القوة المادية، فالعدد وفر، والإيمان صدق، والرأي جميع، والعروة وثيقة. فإذا أعوزتنا الوسائل تبرع بها من يترقب هذه الفرصة ليكيد، ويستعجل هذا اليوم ليستفيد!