درجة فادعى الشرف ولاث على رأسه عمامة خضراء، ووسع أكمامه وسعى حتى جعلوه نقيباً للأشراف بدمنهور. حدثني صاحبنا الأديب الفاضل محمد شكري أفندي المكي قال: لقيته مرة وكنت علمت بأمر تلك النسب وأردت مداعبته فقلت: يا أبا الفرج إن كنيتك تنبئ عن شرف عظيم فلعلك من نسل أبي الفرج بن الجوزي، فقال نعم يا سيدي صدقت وأصابت فراستك، ثم لقيته بعد ذلك بأيام وقد نسى ما دار بيننا فأعدت عليه الحديث وقلت له إجادتك في الشعر مع هذه الكنية تدلني على انك من نسل أبي الفرج الببغاء، فقال أي نعم وهو الواقع أ. هـ. ولا خلاف في انه كان يعلم قصد محدثه في أمر نسبه، إلا أنه كان يخرجه مخرج الجد حتى مع أخص الناس به ويغضب ممن ينكر عليه فتستظرف منه.
وادعى مرة أنه نال نصيباً وافراً من اللغة بحيث أصبحت لا يشذ عنه شيء من مفرداتها، وتمادى في هذه الدعوى وتبجح بها في المجالس، وتصدر للإجابة عن كل سؤال فيها يطرح عليه فتوالت عليه الأسئلة وهو يجيب عليها خابطاً خبط عشواء لا يبالي بمن يحتج عليه بكتب اللغة. وصار الأدباء من أصحابه يرتجلون له الفاظاً يسألونه عنها فيخترع لها معاني يجيب بها، وربما أحال تخرصاً على كتب لغوية يعينها، ونظم له بعضهم بيتاً كبيت الخنفشار وسأله عن معناه في جمع كبير من الأدباء وهو:
فقال نعم! هذا بيت لعنترة، ذكره له صاحب الأغاني وهو يصف به حمامة، والخرنق شيء يشبه نسج العنكبوت وليس به، يكون بين أغصان الأشجار، فيقول إن هذه الحمامة عاثت بين الأقيال، أي الأشجار الكبيرة فالتثت قدماها بالخرنق أي اشتبكت به، وأما الشيظم، وأراد أن يفسره فقطعته أصوات الضحك من جوانب المجلس.
وبالجملة فقد كان خفيف الروح محبباً إلى القلوب أديباً ظريفاً حاضر الجواب حلو النادرة، وكانت وفاته فجأة بدمنهور في ثاني ليلة من شهر ربيع الثاني سنة ١٣١٠ بعد أن صلى العشاء، وكان آخر قوله أنا لله وأنا إليه راجعون، فشق نعيه على من عرفه وشيع جنازته الألوف تغمده الله برحمته.