إنجلترة فحسب؛ بل في تاريخ الحكم النيابي والحرية في العالم كله، إذ كانت صراعا متصلا بين الطغيان تمثله الملكية وبين الحرية يمثلها البرلمان؛ وكان هذا الصراع حول مسألتين: المسألة السياسية والمسألة الدينية.
ظهرت المسألة السياسية في صورة نظرية أول الأمر، وذلك حينما أعلن جيمس الأول تمسكه بالحق الإلهي للملوك، أو نظرية التفويض من قبل الله. وقد أنكر البرلمان عليه هذا الزعم كما أنكره طالبو الحرية من غير رجل البرلمان. ثم اتخذت المسألة وضعا عمليا حين وقع الخلاف بين الملك والبرلمان على أمور معينة، إذ حاول كل أن يبرر مسلكه حسبما يذهب إليه من رأي في التمسك بنظرية التفويض الإلهي أو في إنكارها والتمسك بالحقوق التي اكتسبها الشعب منذ منتصف القرن الثالث عشر.
كان يقصد بالحق الإلهي للملوك في القرن السادس عشر معنى خاصا، وذلك أن الدولة سواء أكان يرأسها ملك أم أمير لها حق البقاء، وافقت الكنيسة على ذلك أو لم توافق، وكان ذلك المعنى مما قصدت به البروتستنتية إلى الفصل بين سلطان الكنيسة وسلطان الدولة رغبة في إضعاف الكنيسة.
ولكن الملوك فسروا هذه العبارة تفسيرا جديدا في القرن السابع عشر، فقالوا إن هناك حقا خاصا بأشخاص الملوك، فهم خلفاء آدم في الأرض، وقد أعلن الله في كتابه إقراره سلطة الملوك المطلقة فلا يجوز أن تلاقى تلك السلطة أية مقاومة أو تدخل في شؤونها.
وكان جيمس الأول يحكم اسكتلندة باسم جيمس السادس وآل إليه عرش إنجلترة بالوراثة فاتحد في شخصه حكم المملكتين، وقد قتل الملك لصا وهو في طريقه إلى إنجلترة بغير أن يحاكمه فخرج بفعلته هذه على حق أكتسبه الفرد في إنجلترة منذ لائحة العهد الأعظم التي ظفر بها الإنجليز سنة ١٢١٥، والتي جاء فيها صراحة أنه لا يجوز حبس أي إنسان أو نفيه أو مصادرة أملاكه أو إعدامه إلا بعد محاكمة تكفل له فيها وسائل الدفاع عن نفسه.
وتمسك جيمس منذ هبط إنجلترة بالحق الإلهي للملوك، وتحدى البرلمان هذا الحق، وكان من محاسن الأقدار أن لم يقف النزاع عند وضعه النظري بل تعدى ذلك إلى مواقف راح البرلمان فيها يبرر مسلكه أو يؤيد حقه على ضوء السوابق والحقوق المكتسبة، وملابسات الحال، ومقتضيات الظروف من النصفة والعدالة.