للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكان البرلمان في عهد أسرة تيودور قد خضع للحكم المطلق فعلا، ومرد ذلك إلى أن ملوك تلك الأسرة لم يتمسكوا في حكمهم بالنظريات؛ بل كانوا يعملون على كسب مودة أعضاء البرلمان وضمان تأييدهم إياهم ليكون الأمر في ظاهره للبرلمان وفي حقيقته لهم. هذا إلى أنهم كانوا أحيانا يتزحزحون عن مواقفهم خطوات إذا لاحت نذر الشر، أو يحاولون بالكلمة الطيبة أن يكسبوا قلوب النواب، نجد خير مثال لذلك في موقف نبيل وقفته إليزابث في أواخر حكمها سنة ١٦٠١ حين لمحت اتجاه الرأي العام في معارضة البرلمان لقانون من القوانين، فقالت للنواب: (ولو أن الله رفعني مكانا عليا فإن ما أعده في الواقع مجد تاجي هو أني أحكمكم مستندة إلى محبتكم، وهذا ما يجعلني أشعر بالسعادة لأني ملكة شعب شكور، أكثر مما أشعر بها لأن الله جعلني ملكة فحسب).

وكانت البلاد في عهد تلك الأسرة تخشى الحرب الأهلية بين فرعي بيت الملك كما كانت تخشى الغزو من الخارج، وعلى الأخص من جانب أسبانيا الكاثوليكية. هذا إلى أنه كان للناس منصرف عن السياسة وأمورها إلى النهضة العلمية الأدبية وحركة الكشف الجغرافي والاستعمار وراء البحار، فخمدت جذوة السياسة حتى كادت تتحول إلى رماد.

وكانت تقتضي المحكمة وبعد النظر مسالمة رجال البرلمان بعد زوال الخطر الداخلي وابتعاد شبح الغزو الخارجي إثر تحطيم الأرمادا أسطول أسبانيا العظيم، ولكن جيمس الأول أخذ في ظروف كهذه يعلن تمسكه بنظريته، فنفخ بذلك في الرماد حتى توهج، ثم إذا به يشتعل في عهد خلفه اشتعالا

وكان جيمس غداة ولايته عرش انجلترة في السابعة والثلاثين من عمره، وكان ملكا مثقفاً على شيء غير قليل من اللباقة، وفي نفسه قدر من روح الفكاهة، ولكن لم يكن يحسن وزن الأمور لتمسكه بالجانب النظري منها، كما أنه لم يحسن كيف يحيط شخصه بما يجب للملوك من وقار وهيبة، بل لقد اجتمعت فيه كل الصفات التي يجب ألا تنسب واحدة منها إلى ملك، وقد قال عنه هنري الرابع ملك فرنسا: (إنه أعلم مغفل في العالم المسيحي!)

اجتمع أول برلمان في عهد جيمس سنة ١٦٠٤، فكان أول خلاف بينه وبين الملك أن تدخل الملك في الانتخاب، فقد حذر الناخبين أن ينتخبوا المتطرفين في الآراء الدينية والمحرومين من حماية القانون، ولكن إحدى الجهات انتخبت واحداً من هؤلاء فأبطل انتخابه بأمر الملك

<<  <  ج:
ص:  >  >>