الهوى ولم يخضها الحسن، أبداً محترمة مهيبة طموحة إلى المجد:
إذا القوم قالوا (من فتى)، خلت أنني ... عُنيت، فلم أكسل ولم أتبلد
فإن تبغني في حلقة القوم تلقني ... وإن تقتنصني في الحوانيت تصطد
متى تأتني أصبحك كأساً روية ... وإن كنت عنها غانياً، فاغد وازدد
وان يلتقي الحيُّ الجميع تلاقني ... إلى ذروة البيت الشريف المصمد
نداماى بيض كالنجوم وقينة ... تروح إلينا بين برد مجسد
ومازال تشرابي الخمور ولذتي ... وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدى
إلى أن تحامتني العشيرة كلها ... وأفردت إفراد البعير المعبد
شعر رقيق عبر به صاحبه فأحسن التعبير، وطريقة واقعية مذهبها الإباحة والصراحة، حقاً لقد خلق هذا الصغير طرفة شاعراً فياض القريحة، انظر، إنه ما فكر في غير نفسه، ولا استمد إلا من حسه.
ربما دهشت إذا قلت لك إن هذا الشاعر الشاب الذي مات قبل أن يبلغ الخامسة والعشرين من عمره، والذي عاش كما قال بشار:
عشت بين الندمان والراح والمز ... هر في ظل مجلس حسن
قد امتاز أيضاً بما نظم من الحكم البالغة والأمثلة السائرة، لا تعجب، إن طرفة لم يكن مخلوقاً عادياً، بل كان عبقرياً ملهماً، نظر بعين بصيرته إلى الحياة نظر الشيخ المجرب، فحدثنا عن الوجود والعدم حديث العارف الحكيم، وعالج لنا خلال السنوات القليلة التي عاشها كثيراً من مسائل الحياة وأحوال المجتمع وخوالج النفس. قال يطلب الغيث لديار حبيبته:
فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمى
شعر جزل فصيح، طلب الغيث على قدر الحاجة، لأن الفاضل ضار، وقد قال محمد (ص) (اللهم اسقنا سقياً نافعاً)
أنا وأنت وكل الناس نتمثل بقول هذا الشاب:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي
واسمع إنه يحدثك عن الخير والشر: