تقول ذلك لتسرني، لأنني أتمنى أن يكون أطول الأطفال وأقواهم وأجملهم وأذكاهم من غير استثناء، إذ هذه كبرياء الأم أنانيتها، وهي كبرياء مباحة وأنانية مشروعة فيما أعتقد.
ما ألذ لغة رينيه المكسرة على مسمعي! ولقد تقدمت صحته قليلا منذ بضعة أيام، ومع ذلك فالطبيب يجيء ليعوده في كل صباح. واليوم لم أستطع أن أحصل منه على جواب صريح يطمئنني على صحته كما كنت أرجو. وكلما أفكر في ضعف صحة هذا المخلوق المعبود وأتخيل أن حمى خبيثة تستطيع أن تخطفه مني في بضع ساعات، أصير على أتم استعداد للجنون، وعلى أثر هذا الخيال أنتصب واقفة وأجري إلى مهده دون أن أشعر، ولا أطمئن إلا حين أرى تنفساته تحرك الغطاء بنظام، أو أرى فمه الحالم يلوك في هدوء لغة النوم. وفي أثناء هذا كله، وحين أكون ساهرة بالقرب من سرير طفلي يكون راءول مشغولا بالحصول على وعد من مدام ديلافو، أو بمحاولة الاختلاء بالآنسة جيفيرني لأن الأمر انتهى بي إلى أن أومن بأن هذه المغازلات لم تعد بريئة طاهرة، فتجاربي الشخصية من ناحية، وآراء والدتي من ناحية أخرى قد أزالت من نفسي تلك السذاجة التي كانت تغشيها إلى عهد قريب. لقد كانت والدتي تقول لي دائما:(إذا لاطف زوجك سيدة، فكوني على يقين من أن الفرق بين المغازلة والخيانة منحصر في غيبة الإمكان المادي، فإذا تيسر هذا الإمكان زال ذلك الفرق). آه من المغازلة! تلك الكلمة المرعبة المنافقة التي تخفي تحتها كثيراً من المزعجات التي كلما أسمعها تنطق أمامي أرتاع كما لو أني أسمع إحدى الكلمات الوقحة الجارحة.
لكي أمضي الساعات التي سأقضيها ساهرة إلى جانب سرير الطفل، دخلت حجرة تدخين زوجي التي يستقبل فيها أصدقاءه الأخصاء، لأتصيد منها بعض صحف أو مجلات أتلهى بها، فوجدت (الفيجارو) و (جيل بلاس) و (الجولوا) و (الكلمة الحرة) فجمعتها، لأتصفحها. غير أن راءول - لتفريطه في النظام وإفراطه في حسن النية - كان قد ترك حلقة مفاتيحه معلقة في درج المكتب، ولكن هل فتنتني هذه الفرصة فخطر لي أن أتعقبه؟ حقا إني لا أعتقد ذلك، بل إن الذي استولى عليّ في هذه اللحظة هو حب الفرار من هذه الفتنة فنجوت بنفسي نقية اليدين وعدت إلى حجرتي. وفي الحال دعوت الخادم جوزيف وهو أخلص الخدم إلى زوجي، لأنه في خدمته منذ أن كان صبياً، وهو لهذا كان يعاديني، فلما جاء