الإنسان يضطرب أولاً ثم ينفعل، أعني أن الانفعال في ذاته هو نتيجة لاضطرابات عضوية وكيميائية في جسم الإنسان. ففي حالة الخوف مثلاً، تحدث في داخل الجسم إفرازات عضوية معينة، تكون نتيجتها ظهور سمات الخوف على الإنسان. وبكلمة مختصرة، الانفعال في أساسه فسيولوجي قبل أن يكون نفسانياً.
وهنالك ثلاثة أنواع من الانفعالات الأولية في الإنسان وهي الخوف والغضب والحب. والظواهر المختلفة التي تبدو على الإنسان نتيجة لهذه الانفعالات نتيجة لإفرازات معينة في الغدد الصماء بتأثير الجهاز العصبي.
أما انفعال الخوف فينتج شعوراً رديئاً؛ فبالإضافة إلى ما يثيره من الاضطراب في بعض أجهزة الجسم كما يكون الحال في سرعة دقات القلب والتنفس السريع، بالإضافة إلى ذلك يكون للخوف طابع خاص يظهر في امتقاع الوجه واضطراب المفاصل والأطراف وقفوف شعر الرأس. . . الخ. . . وللغضب مظاهره الخاصة كذلك وهي في جملتها أقل عنفاً من مظاهر الخوف، وفي حين تكون نتيجة الخوف تقهقراً تكون نتيجة الغضب تقدماً واندفاعاً. أما الحب فهو أحد الانفعالات الأولية التي تحدث شعوراً طيباً محبباً. والذين جعلوا للحب مركزاً خاصاً في القلب لم يبتعدا كثيراً عن الحقيقة. فانفعال الحب في الواقع يتركز أثره في وجهة ما فوق القلب نتيجة لتأثر الدورة الدموية بباعث الحب وما يثيره في الدورة من نشاط. وللحب طابعه الخاص، يظهر في ابتسامة الفم وإشراق الوجه، ولعل أروع صورة ساذجة لطابع الحب الجميل، تظهر في محيا الطفل الصغير وهو يرنو إلى أمه.
هذه المعرفة الخاصة بالدوافع، قادتنا إليها دراستنا للحيوانات العليا وللطفل وللإنسان البدائي.
وإن دراستنا للإنسان البدائي الساذج، تجعلنا نقف أمام صورة كائن يمضي أغلب وقته في الأكل والشرب مبتعداً عن الأصوات المزعجة والحرارة اللافحة، يجري ويقفز، يصيح وينصت ويتأمل ويشاهد أنه مدفوع إلى النشاط بما يبعثه الكون المحيط به؛ قد يجد لذة في أن يداعب كلبه أو في أن يقفز على شجرة، كل هذه الاستجابات تتولد من الكون الفسيح وما يبعثه من مؤثرات ومنبهات. وإنه لمن الإنصاف أن نقرر ما ذكره ثورنديك من أن قائمة الدوافع التي قال بها ديكارت وهوبز لا تصور الحقيقة، فإن الدوافع في الإنسان