للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نفسه.

قال: يا سيدي أحاطبي الأعداء الفجار، فأنا منهم كزجاجة بين أحجار، فعلمني يا ذا السنا والسناء، كيف العيش بين هؤلاء الأعداء.

قال المرشد العليم الذي ائتلف في نفسه الجمال والجلال:

يا جاهلاً بأسرار الحياة، وغافلاً عن مبدئها ومنتهاها؛ افرغ من هم غيرك، وأيقظ القوة النائمة في نفسك. إن الحجر الذي يتوهم نفسه زجاجة بين الأحجار، ينقلب زجاجة غايتها الانكسار. ومتى ظن المسافر الضعف بنفسه، فقد أسلم لقاطع الطريق روحه. حتَّامَ تعدّ نفسك طيناً وماء؟ أخرج من طينتك شعلة الطور ناراً وضياء. ماذا التكبر على الأصدقاء، وما هذه الشكاة من الأعداء؟ لا ريب أن عدوك صد يقك، وأن وجوده رونق حياتك. كل من وعى مقامات الذاتية يحمد الله كلما ألفى عدوه في قوة.

العدو من الإنسان كالسحاب من الأرض، يغشاها، فيوقظ من سباتها قواها. وإن حجر الطريق ليسيل كالماء، أمام الهمة القعساء. وما السهل والحزن أمام السيل المنهمر، عقبة الطريق مسن لسيف العزم، وقطع المراحل اختبار لهذا السيف، ما العيش في أكل ودعة كالحيوان الأعجم؟ وما غناء الحياة وأنت في نفسك غير محكم؟ حصن نفسك بالذاتية يسخر لك العالم كله. تجرد من نفسك إن ترد الفناء، واعتصم بنفسك إن تبغ البقاء. هل الموت إلا غفلة عن الذاتية؟ وهل افتراق الروح والجسم إلا هذه المنية؟ اتخذ من نفسك مستقرأ لتنجو من الهلك؛ ثم امض قدما - كيوسف - من الإسار إلى الملك. تفكر في الذاتية وكن رجل الجلاد السباق إلى الغايات، كن رجل الحق المليء بالآيات. هأنذا أشرح بالقصص الأسرار، وأفتح بالنفحات أكمام الأزهار. (خير أن يأتي سر الأحباب حديثاً في قصص الآخرين)

(قصة الطائر الذي أنهكه العطشى)

بلغ العطش من طائر جهده، فاضطرب نفسه موجة من الدخان في صدره، فأبصر في بستان شذرة من الماس الوضاء، فخيل إليه العطش أنها ماء. وخدعت الطائر المجهود هذه الشذرة المتلألئة كالشمس، فتوهم الحجر الصلب ماء سائلا، وغره من هذا الجوهر بريقه فضرب بمنقاره فلم تنقع غلته. قالت الماسة: أيها الطائر المسحور! لشد ما ضربت بمنقار

<<  <  ج:
ص:  >  >>