للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الغرور؛ لست قطرة من الماء، ولا شربة للظماء، ليست حياتي من أجل غيري. إن محاولة التقاطي جنونوغرور، وغفلة عن الحياة الذاتية الطهور، إن مائي يكسر من الطير منقاره، ويصدع من الإنسان جوهر روحه.

خاب أمل الطائر فأعرض عن هذه الشذرة الوضاءة، وانقلب الأمل في صدره حسرات، واستحالت أنيناً هذه النغمات. ثم بصر بقطرة من الطل على فننٍ من الورد، تتلألأ كدمعة في عين البلبل، ضياؤها استغراق في حمو الشمس، وهي من جوف الشمس في رعدة. كوكب خفاق ولدته السماء، فلبث لمحة في نشوة الظهور والضياء؛ وخدعته ألوان الأكمام والأزهار، فلم يأخذ من الحياة نصيباً، كدمعة العاشق العليل، زانت الهدب لتسيل.

ويسرع الطائر إلى فنن الورد فيلتقط قطرة الندى.

أيها المبتغي نجاة من الأعداء! خبرني أجوهر أنت أم قطرة من ماء؟ ألم تر إلى الطائر حين أذاب العطش مهجته كيف وقى بحياة غيره حياته؟ لم تكن القطرة في صلابة الجوهر، ولكن كانت الماسة صلبة المكسر. فلا تغفل عن حفظ الذاتية لمحة، وكن قطعة ماس لا قطرة. كن ناضج الفطرة راسخاً كالجبال، وتحمل بحاراً من السحاب الهطال. وجد نفسك بقوى نفسك، واستحل فضته بجمود زئبقك. أظهر نغمه الذاتية من أوتارها، وتجل للناس بأسرارها.

(قصة الماس والفحم)

وهذا حديث آخر يفتح لك من الحقيقة بابا:

قال الفحم للماس وهما في المعدن: يا من أودعت هذا التجلي الأبدي! نحن رفيقان، وفى المنشأ صنوان، وهأنذا أموت في معدني ذلة، وأنت تعلو تيجان الملوك عزة، وقدري من سوء الجبلة دون الحصاة، وجمالك يصدع قلب المرآة. يضيء بظلمتي المجمر الوقاد، فإذا غاية جوهري هذا الرماد. منزلتي من الناس مواطئ الأقدام، وغايتي أن أكون طعام النيران. إنها لحياة جديرة بالبكاء، فما وجودي إلا هباء؛ موجة من الدخان مركومة، وأما أنت فكالنجم وجهك وسيمتك تفيض بالنور كل جوانبك. فأنت حيناً قرة عين قيصر، وأخرى حلية في مقبض الخنجر.

قال الماس: أيها الرفيق البصير إن التراب الأغبر إذا نضج فهو جوهر، وأنا ما زلت أجالد

<<  <  ج:
ص:  >  >>