القلوب فلم تنفتح له! واحتفلت عمان وحدها بيومها التاريخي المجيد احتفالاً رسمياً لا روعة له ولا بهجة فيه. ذلك لأن العرب الذين لا ينفكون يسخرون من استقلال مصر، ويهزؤون باستقلال العراق، قد سئموا هذه المظاهر الكاذبة، وأنكروا هذه الألفاظ الفارغة، وكبر عليهم أن يشاطروا إنجلترا السرور بافتلاذ قطعة من الوطن العربي لا يزيد عدد سكانها عن خمس سكان القاهرة، لتجعلها وكراً للاستعمار يثب منه متى شاء علينا أو على من حوالينا من الأمم المطمئنة الوادعة.
أليس الوعي القومي هو الذي جعل العرب يميزون بين استقلال سورية واستقلال شرقي الأردن؟ أليس الوعي القومي هو الذي جعل لإنجلترا من جامعة الدول العربية، ما جعل الله لآل فرعون من موسى بن عمران؟ آووه وتبنوه ليكون ظهيراً للكفر، ونصيراً للظلم، ووزيراً للاستبداد، فكان لهم نذيراً من الله، وداعياً إلى الحق، وبشيراً بالحرية؟
أليس الوعي القومي الذي ولد صاحب الجلالة الفاروق في صحوته، ثم ترعرع وشب ومللك في ضحوته، هو الذي ألهمه أن يوطد أساس الجامعة العربية باجتماع الملكين في رضوى، وأن يوثق الوحدة العربية بمؤتمر الملوك والرؤساء في إنشاص؟
بلى، هو الوعي القومي الذي تيقظ واستبصر في نفوس العرب من ملوكها ورؤسائها، إلى سوقتها ودهمائها. ولن تجد مصداقاً له ولا دليلاً عليه أبلغ من هذا القلق الذي يساور كل نفس، وهذا الامتعاض الذي يرتسم على كل وجه، وهذا الانتقاد الذي يجري على كل لسان. كل امرئ يريد التغيير، وينشد الكمال، ويطلب الأحسن، وكل امرئ يحاول أن يفرق بين رجل ورجل، ويميز بين عمل وعمل، ويوازن بين مبدأ ومبدأ.
بلى، هو الوعي القومي الذي يذكر العرب اليوم أنهم خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتسارع إلى الخير، وتتعاون على البر، وتتناصر في الشدة، وتأبى إلا أن تتبوأ مكانها الأول من قيادة الإنسانية. ذلك الوعي القومي هو ضمان النهضة العربية من الانتكاس والردة، وأمان السياسة العربية من الغش والخديعة، ووقاء الوحدة العربية من الشتات والفرقة. فمن حاول بعد اليوم أن يقود الأمة العربية قيادة القطيع ليذبح، أو يسوسها سياسة الخيل ليركب، نبت في يديه كما ينبو المارد في يد الرجل إذا انطلق من حبسه، وامتنعت عليه كما يمتنع الثور على الطفل متى شعر بنفسه.