عمل إلا ابتغاء الوسائل إلى لذته تلك، فهي في فكره يقظان، وفي أحلامه نائماً، وعلى لسانه متحدثاً، وهي دينه إن كان متديناً، ودرسه إن كان طالباً أو معلماً، وشغله إن كان موظفاً. . . ولذلك أمر الله بغض البصر، وقال عليه الصلاة والسلام:(لك الأولى وعليك الثانية)! ووصفت النظرة بأنها سهم صائب من سهام إبليس:
كل المصائب مبدأها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر
يا أيها الناس، لقد عشتم من عمركم سنين، وعصيتم الله وأطعتموه، فانظروا الآن ماذا بقي من ذلك في أيديكم؟ أين لذة المعصية؟ لقد ولت وخلفت سواداً في صحائفكم! أين تعب الطاعة؟ لقد ذهب وترك حسنات كتبت لكم! أفما تتمنون الآن لو أنكم ما عصيتم الله قط؟! بل تخيلوا أنكم في ساعة الموت. . . هل من الموت بد؟! فماذا تنفع من يعالج سكرات الموت كل لذة كان قد نالها بجنب تلك الآلام؟! ثم تصوروا موقفكم بين يدي جبار السماوات والأرض، وقد ذل الأعزة بالإثم، وسيق المتكبرون إلى العرض على الله حفاة عراة، ونادى المنادي من جانب العرش: لمن الملك اليوم؟! وأجاب المجيب: لله الواحد القهار!! وكان الامتحان الأعظم، ونودي بأسماء الناجحين. . . ففتحت لهم أبواب الجنة. . . وبأسماء (الراسبين). . . ففضحوا على رؤوس الخلائق، وقذفوا في النار فرسبوا فيها. . .! أين يومئذ تلك اللذائذ؟! أين متعة العين بهذه الراقصة؟! أين لذة الجوارح بوصالها؟! أين جمالها وفتنتها والصديد يسيل منها؟!!
يا ناس!! إن لهذا الكون إلها. إن في الكون عدلاً. إن من زنى زني به ولو بجدار داره، أفما لكم بنات؟! أما لكم أخوات؟!. . . فعفوا تعف نساؤكم، إنكم لا تدرون ماذا يكون في غد، ولعل ابنة أحدكم تقوم هذا المقام، فأشفقوا على هذه المسكينة، فإن لها أباً وأماً. . إنها ما جاءت من جذع شجرة!!
قال صديقي: لما بلغ الشيخ من كلامه هذا المبلغ، سالت دموعنا رحمة للراقصة، وإشفاقاً عليها، وصرنا ننظر إليها كما ينظر أحدنا إلى ابنته يسعى ليسترها ويحميها، بعد أن كنا لا ننظر إليها إلا لنقطف زهرتها ونذويها. . . ولقد وفق الله بعد ذلك، فأخرجنا المسكينة من هذه الحمأة، وزوجناها برجل صالح، فهي الآن ربة بيت وأم أولاد!!
قال: حتى صاحب المرقص صار يتردد على الشيخ، وأحسبه سيغلق مرقصه اليوم أو غداً،