للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأسفار، فتصنف المؤلفات كما تصنف (شربة الخضار) كأن الأذواق قد اعتلت، فهم يصنعون لها هذا اللون من الحساء. . .!

وقد عمد مديرو بعض المجلات الشعبية إلى بعض الكبار من الكتاب يستكتبونهم بأجور مغرية، ومفهوم أن أصحاب هذه المجلات يقصدون ترويجها أو ازدياد رواجها بأسماء المشهورين من الأدباء، ولكن بعض هؤلاء الكتاب الفحول أسفوا في كتاباتهم لأنهم قصدوا إلى الدنو من ذهن القارئ العادي، وطلبوا طرائف الموضوعات فلم يوفقوا، وتكلفوا الظرف ومسايرة روح تلك المجلات؛ وذلك ليس في طبعهم، فجاء إنتاجهم في هذا المضمار بائخاً لا غناء فيه.

وأن تدرك حرفة الأدب هؤلاء وأولئك خير من إفساد السوق الأدبية برديء المنتجات، وإفساد السوق الاقتصادية بتضخم النقد واستمرار الغلاء.

وإن من حق الكتاب الناضجين - بلا شك - أن يستثمروا فنهم ويجنوا ثمرته، ولذلك أثره حفز الهمم وشحذ القرائح، ولكن من حق الأدب ومن حق (مستهلكيه) إجادة الإنتاج وألا يزاول الكاتب من أنواع الكتابة إلا ما يحسنه، وإذا كانت المصانع المشهورة تحرص على جودة مصنوعاتها لأنها تحمل أسماءها، أفلا يجدر بهؤلاء الكتاب المشهورين أن يتعهدوا أسماءهم بالجلاء والصقل؟

أما الشعراء فلم يعد لهم سبيل لائق بكرامة الأدب في العصر الحديث إلى الاكتساب من فنهم، وكم كان ظريفاً ذلك الشاعر - وهو من أساتذة اللغة العربية - الذي قال: إنني أتكسب بالشعر ولكن لا بشعري أنا وإنما بألفية ابن مالك!

وممن أدركتهم حرفة الأدب في عصرنا أفراد معرفون بالانتحال، ينشئون المقال أو الخطبة أو القصيدة أو الكتاب، وينحلونه من لم تدركهم الحرفة لقاء قروش أو جنيهات معدودات فيتسلق هؤلاء المجدودون أولئك الحرفاء، لأنهم لا سيقان لهم في الأدب يقومون عليها. وهؤلاء وأولئك يرتكبون التدليس والتزوير في الأدب، حتى ليصح أن يقال إن الأدب أدركته حرفتهم! فنكبته بهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. . .

ونخلص من كل ذلك إلى ما قررناه وهو أن الأدب لم يكن دائماً مجلبة للشقاء والحرمان، بل كثيراً ما كان سبباً إلى النعمة والرفاهة، فلا يصح أن نقرنه بالشؤم، لأنه يتخلف عنه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>