للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يصيبني منهما مكروه، وتشاغلت بمحادثة نفسي تارة وبالغناء تارة أخرى، حتى أهيئ لهما الفرصة لسرقة الحمار. وشعرت أن أحد اللصين يفك مقود حماري، ثم يضعه في عنقه ويسلم الحمار إلى صاحبه.

فتغاضيت ومشيت - على عادتي - متبالهاً حتى دانيت المدينة واقتربت من العمران. فالتفت إلى الخلف، وإذا باللص الخبيث مكان حماري الطيب القلب، والمقود في عنقه، وهو يمشي خلفي.

فتظاهرت بالحيرة والدهش، وسألته متبالهاً لأهيئ له الجواب:

(من أنت؟ وأين حماري؟ وكيف حللت مكانه؟).

فأجابني متخابثاً: (إن قصتي أيها السيد الكريم، لا تكاد تصدق لغرابتها، فأنا آدمي مثلك، ولكني غلوت في الإساءة إلى أمي - فيما مضى من الزمان - فلما نفذ صبرها، واشتد غيظها علىّ، ابتهلت إلى الله داعية أن يمسخني حماراً فاستجاب الله دعاءها.

فخرجت من البيت هائماً في الطريق، فلقيني بعض الأشرار، فأسرع بي إلى السوق وباعني لك. وما زلت أخدمك - في أمانة وإخلاص - إلى اليوم، ولعلي بذلك قد كفرت عما أسلفته لأمي من إساءة.

وقد رأيتني الآن أسترد آدميتي، فمشيت خلفك مطرقاً مفكراً فيما لقيت من عجائب الحياة. وأغلب الظن أن أمي قد عاودها رضاها عني، فراحت تستغفر الله لي حتى استجاب دعاءها مرة أخرى، فخلعت عني ثوب الحمارية، واسترددت من فوري ثوب الآدمية.

ترى كيف أجيب هذا الألعبان؟

تمثلت في الحال قصة الساحر والتاجر، فلم أجد لي مندوحة عن التظاهر بتصديق هذا الكيذبان الماكر. فقلت له متبالها:

(حسبك ما لقيت من عقاب إلهي، فهل تعاهدني على أن تتحرى مرضاة أمك، وأن تبذل في هذا السبيل قصارى جهدك) فعاهدني اللص على ذلك، وهو يحسبني - لغباوته - أكبر مغفل لقيه في حياته.

ثم لقيت حماري بعد أيام يبيعه اللصان، ولم أكد أدانيه حتى اختفى أولهما الذي لقيته منذ أيام، وأسلم الحمار إلى شريكه ليتم بيعه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>