ومجمل ذلك أنه لم تكد سنة ١٦٨٨ تشرف على الانتهاء حتى كانت الثورة الإنجليزية الثانية قد بلغت أقصى حدودها وأعلن الثوار - في مقدمة ما عابوه على مليكهم جاك استوارت - أنه كاثوليكي، وأن الأمة بروتستانتية، فلا ينبغي أن يجلس على عرشها من اختلف دينه مع دينها، ثم دعوا للتملك عليهم الأمير الهولاندي جيوم الثالث. وعلى أثر نزول هذه الكارثة بالأسرة المالكة، كان ذلك الملك المنكوب بين عاملين متعارضين: أحدهما يدفعه إلى الالتجاء إلى فرنسا والاحتماء بعاهلها الأعظم والعيش في كنفه المنيع، وهو عامل الصلة الأسرية التي كانت تربطه بالبيت المالك فيها. والعامل الآخر هو ذلك العداء الذي كان مستحكماً بين دولتيهما في ذلك الحين، إذ أن شارل الثاني والد هذا الملك التعس كان قد أعلن الحرب على فرنسا في سنة ١٦٧٨ أي قبل هذه الصدمة بنحو عشرة أعوام. وأكثر من هذا أن شارل الثاني نفسه كان يحنق على فرنسا حنقاً خاصاً ويحسدها على أسطولها، وأنه سجل هذا الشعور الإنجليزي التقليدي البغيض الذي يجري في نفوس أفراد هذا الشعب جريان الدماء في أوردتهم وصوره في هذه العبارات التالية:
(إن كبرى العقبات التي تعترض سبيل الحلف الفرنسي هي تلك العناية العظمى التي يبذلها الفرنسيون الآن لينشئوا لهم كياناً تجارياً، وليكونوا قوة بحرية تفرض إرادتها، إذ أن كل خطوة تخطوها فرنسا في هذه السبيل، تخلد الحسد بين هاتين الدولتين).
بيد أن ذلك الملك السيئ الحظ بعد أن وازن بين الحالتين رجح الالتجاء إلى فرنسا لثقته بنبل مليكها وكرم خلقه، وسمو طبعه. وفي أواخر ديسمبر سنة ١٦٨٨ نجحت ملكة إنجلترا وولدها ولي العهد في اجتياز المانش إلى كاليه بفضل تلك المحاولة الجريئة التي قام بها أحد النبلاء الفرنسيين، وهو دوق دي لوزان مدفوعاً إلى ذلك بالشهامة البريئة التي تتغلغل في فطرته النقية من العلل النفعية. ولما كان الملك قد وعدها أن يلحق بها في كاليه فقد انتظرته هناك بعض الوقت، ولكن لويس الرابع عشر لم يلبث أن بعث إليها بموكب فخم يحف بها إلى باريس لتنتظر رفيق حياتها في العاصمة مكرمة معززة. وفي اليوم السادس من يناير سنة ١٦٨٩ وصلت الملكة وولدها إلى ضواحي باريس، فلم يكن من ملك فرنسا - هو ذلك الملك الأريستوقراطي النزعة - إلا أن انتقل ترافقه حاشيته لاستقبالهما، وعندما لمح المركبة الملكية ترجل واتجه إليها، فعانق ولي العهد في حنان أبوي ثم هرول إلى